أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

كيف يتبخر الإنسان؟!

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - نعيش اليوم وفق معطيات حديثة تقدم لنا الإنسان بصورة تجريدية حيث يتم إعادة تعريف هذا الإنسان وتتجدد معرفته بذاته في مجالات نفسية واجتماعية وثقافية متعددة.

يعتبر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو أبرز من اشتغل في هذا الحيز الذي تبلورت معالمه مع القرن التاسع عشر بعد أن حول الإنسان نفسه إلى موضوع معرفي وأنشأ العلوم الإنسانية المختلفة.

ورغم هذا الإدراك للذات الواعية، إلا أنها لم تكن منفكة عن إثبات جوهر ما غير معلوم ولا مدرك عقليا يخضع له الإنسان دون وعي منه.

تعامل فلاسفة القرن التاسع عشر بريبة مع هذا الجوهر ذو الطبيعة الميتافيزيقية ومع إعلان نيتشه لموت الإله تمت القطيعة مع العالم اللامرئي كمصدر للمعرفة ليبدأ الإنسان الغربي رحلته في اكتشاف نفسه بنفسه.

ورغم القطيعة المعرفية مع مصادر القمع القديمة التي حاول التنظير لها، إلا أن فوكو يرى المعرفة لا تنفك عن أن تكون أداة للسلطة يشارك بها الجماعات والأفراد.

في هذا الفهم الحديث للسلطة يوسع فوكو من دائرة القمع كما يؤكد الدكتور عيدو ليضم الذات المجتمعية والذات الإنسانية بعد أن كانت مقتصرة على الحقيقة العليا أو الإله الأعلى.

ذلك يعني أن تكون الذات الإنسانية مشاركة بالقمع من خلال ثورتها على السلطة وانقلابها على نفسها فهي تظهر بشكل خفي وماكر داعية للحرية بينما قد تكون غايتها في الحقيقة استبدال سلطة قديمة بأخرى جديدة.

هذا الفصل بين الذات وما يتصل بها من عوالم غير مرئية يعد سببا جوهريا لتمييز الذات الإنسانية في النظرة الائتمانية التي ترى بهذا الانفصال نسيانا لحقيقة الإنسان المتصل بالعالم العلوي.

يرى طه عبد الرحمن في النسيان آفة الإنسان الكبرى وهو نسيان العهد الأول المشار إليه في آية الميثاق: (وإذ أخذ ربك من بني آدَمَ من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنَّا كنَّا عن هذا غافلين) الأعراف: 172.

هذه حقيقة تؤكد ما تؤسس له الرؤية الائتمانية والتي منذ البداية لا تنكر الإنسان الأدنى وإنما تدعوه للاعتراف بقصور ذاته وتحثه على إشغالها بخالقها لتزكيتها وبهذا يتحقق قول الآية: (قد أفلح من زكاها) الشمس:9.

في هذا المعنى كما يؤكد الدكتور عيدو اتساع ونمو لوجود الذات الإنسانية في مقابل خنقها وتبخرها عند ظلم الإنسان لنفسه (وقد خاب من دساها) الشمس:10.

هذا العالم الذي تعرف على ظلاله فوكو في آخر عمره بعد قيامه بتجربة حبوب هلوسات (LSD)، وصف التجربة بـ المتجاوزة وبأنها أعظم تجربة في حياته وهي ما جعلته يعيد تقييم أفكاره حول العالم الماورائي.

عربي 21
مدار الساعة ـ