أرقام وأرقام وأرقام، يبدو أنّها أصبحت بلا ضجيج، لا لون ولا طعم ولا ريح، تمرّ على العيون والآذان مرور من يرتدي قبّعة الإخفاء، وكأنّ أحدا لا يرى ولا يسمع، كأنّ هذه الأرقام صارت تُبثّ كجزء من روتينٍ يومي لا يحرك العقول أو المشاعر أو الأحاسيس، إنّها العادة الأسوأ عند هذا الإنسان، إنها الاعتياد، لقد اعتدنا على سماع أرقام الإصابات والوفيات بفايروس (كورونا) وكأنّها نسمع نشيد الصّباح، شيءٌ عادي جدًّا وخبرٌ ما عدنا نتوقّف عنده كثيرا.
من الجدير بالذّكر أن كلّ شخص مصاب أو مُتوفّى له قصة، ربما كان عريسا، أو ينتظر مولودا جديدا، أن تنتظر خبر تخرّجها أو نجاحها، ربّما كان هذا المُتوفّى العائل الوحيد لأسرة يفوق عدد أفرادها فريق كرة القدم، أو ربّما كان للتي انتقلت إلى رحمة الله أبناء صغار هم أحوج ما يكنون للأمّ وعطفها وحنانها، وهكذا، فهي ليست أرقاما عابرة للأسماع، بل هي قصص إنسانية ربما كانت محزنة أو كانت منشارا يقطع القلب.
وهنا لا بدّ من ملحظين، الأول: أن هذه الأسر لا بدّ من متابعتها من الناحية الاجتماعية والمالية، كي لا يضيعَ الأيتام، وتقفَ الأراملُ على أبواب اللئام، وهذه مسؤولية حكومية ومجتمعية، ينبغي ألاّ تغيب عن الأذهان بسبب غرقنا بعالم الأرقام المتصاعد، الذي قد يحجب عنّا الانتباه.
والملحظ الثاني، أنّ علينا كحكومة وشعب أن نتعاون ونتكاتف كي نوقف حلقات هذا المسلسل التراجيدي المحزن بوعينا والتزامنا، فبقاء ما كان على ما هو عليه من إهمال وتراخ وتقصير صار أمرا غير مقبول، لأنه استهتار بحياة النفس والآخرين، وهذه صورة مظلمة من صور الإجرام، يرسمها كلّ مهمل ومستهتر، بقصد أو بغيره.
أخيرًا الوعيُ مطلوب، والتعاون مطلوب، وحسن إدارة الأزمة أمر مطلوبٌ مطلوبٌ، كيلا نصل إلى مرحلة يُردّد أحدنا فيها قول الشاعر محمود درويش: (كلّ الذين ماتوا، نجوا من الحياةِ بأعجوبة). الدستور