مدار الساعة - في موسم التخييم الذي ينطلق بداية نوفمبر من كل عام يشد آلاف القطريين الرحال إلى الصحراء "البر" والسواحل الممتدة ناصبين الخيام التقليدية والبيوت المتنقلة "الكرافانات" المعدة خصيصا لهذا الغرض.
وفي هذا الموسم الذي يتميز باعتدال درجات الحرارة تتحول هذه المناطق البعيدة عن العمران إلى مزارات سياحية تجذب آلاف المواطنين والمقيمين وزوار البلاد من مختلف أنحاء العالم، وترافقه الكثير من الأنشطة والفعاليات التي تعزز السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء وتعكس الاهتمام بقيم التراث.
وتعد دولة قطر واحدة من الدول الخليجية التي يهتم سكانها بهواية التخييم، أو ما يطلق عليه شعبيا "الكشتة" والتي تمثل تقليدا سنويا متوارثا عبر الأجيال، حيث النزوح إلى الطبيعة خلال فصلي الشتاء والربيع، وتحديدا بين شهري نوفمبر وإبريل، والحياة في "خيام" يتم نصبها بعيدا عن مناطق العمران، أو في بيوت متنقلة "كرافان" أعدت خصيصا لهذا الغرض لا تخطئ العين حلتها العصرية وتجهيزاتها التي يتم اختيارها بعناية تمزج بين الأصالة والمعاصرة.
ويجذب موسم التخييم آلاف العائلات القطرية التي تتجه نحو المناطق البرية أو على الشواطئ الرملية الجميلة التي تمتاز بها الدولة، كما ينضم إليهم آلاف الزوار والسائحين الذين يشاركون في هذه التظاهرة الشتوية الربيعية، للاستمتاع بالأجواء الرائعة، ومشاهدة العروض والفعاليات والأنشطة التي عادة ما تصاحب فترة التخييم مثل استعراض المركبات على الكثبان الرملية، إلى جانب ركوب الخيل والجمال و"البطابط" أو "بيتش باجي" وحفلات السمر والشواء الليلية.
ويزيد عدد المخيمات التي يتم حجزها سنويا عن طريق وزارة البلدية والبيئة على 2500 مخيم كل موسم.. فيما زاد عدد مناطق التخييم هذا العام إلى أكثر من 30 منطقة قياسا بـ17 منطقة في العام الماضي، موزعة في جميع أنحاء البلاد بعد الإقبال الكبير على هذا النشاط الذي تدعمه الدولة وتشجع عليه.
وفي إطار حرصها على راحة وسلامة المخيمين، قامت الدولة باتخاذ العديد من التدابير والإجراءات المتمثلة في الشروط الواجب اتباعها أثناء موسم التخييم لضمان الحفاظ على البيئة القطرية، ولضمان حصول المخيمين على موسم مثالي، كما قامت بالتنسيق والتعاون مع جميع الجهات الحكومية المعنية، بشأن الإجراءات والاشتراطات الكفيلة بحفظ الأمن والسلامة والصحة وحماية وصون البيئة أثناء هذه الفترة ومن ذلك افتتاح مؤسسة حمد الطبية عيادة طبية ونقطة إسعاف تعمل على مدار الساعة تتوافر بها جميع التجهيزات والأدوية لعلاج الحالات الطارئة وبجانبها مهبط لطائرات الإسعاف لاستقبال المراجعين، من المخيمين والرواد.
كما وفرت المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء "كهرماء" محطة موسمية قابلة للتفكيك والتركيب لتعبئة صهاريج المياه، بهدف توفير مياه صالحة للشرب تخضع لأعلى مواصفات الجودة لمرتادي مناطق التخييم.
وتبذل الدولة جهودا كبيرة في توعية الجمهور حول الممارسات الآمنة في المناطق الترفيهية وتشجيعهم المستمر على الالتزام بإرشادات السلامة وحثهم على اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة عند قيامهم بالنشاطات الترفيهية في تلك المناطق.
وتنظم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، برامج توعوية لرواد المخيمات والعزب ورحلات البر خلال عطلات نهاية الاسبوع بمختلف مناطق الدولة لتحقيق التواصل المجتمعي وتعزيز السلوكيات الإيجابية خاصة لدى الشباب أثناء الخروج إلى البر والتخييم.
وتحظى قطر بسواحل تمتد إلى 563 كيلومتراً، وتضم العديد من الشواطئ الجميلة، مما يوفر فضاء رحبا لاختيار مناطق التخييم، ولعل من أهمها شاطئ سيلين على الساحل الشرقي جنوب مدينة مسيعيد والذي يتكون من كثبان رملية ممتدة على مساحات شاسعة إلى منطقة خور العديد جنوب الدولة، والذي يجذب برماله الذهبية وماء بحره الصافي آلاف السياح سنوياً ويعتبر أيضاً مكانا آمنا لممارسة رياضة /التطعيس/ بين الشباب.
وغير بعيد عن شاطئ سيلين، تعد "خور العديد"، البعيدة عن العاصمة الدوحة بنحو 60 كيلو مترا، واحدة من أهم المناطق السياحية الرائعة في قطر، وواحدة من الوجهات التي تجذب هواة التخييم، وزوار الدولة، بشكل عام، طوال فصول السنة، نظرا لجمالها وطبيعتها الساحرة، وتنوعها الحيوي، وهو ما جعلها تصنف كمحمية طبيعية من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو".. وإلى جانب عشاق البحر، هناك من يفضل التخييم في مناطقها البرية التي تعد كذلك مقصدا العائلات والزوار للتنزه في هذا الوقت من العام.
وبالنظر إلى دور موسم التخييم في تعزيز السياحة الداخلية واستقطاب السياح والزائرين من مختلف دول العالم، فقد أولت دولة قطر اهتماما خاصا بالمناشط السياحية ذات الصبغة التقليدية والثقافية والتراثية، حيث وضعت لذلك خططا ومشاريع لخلق صناعة سياحية تمزج بين الحداثة والحفاظ على الأصالة والهوية، مستفيدة من إرثها التاريخي والحضاري.
ولعل من أهم الفعاليات التراثية والترفيهية التي يتم تنظيمها سنويا بالتزامن مع موسم التخييم، وتشكل عامل جذب للآلاف من المواطنين والمقيمين وزوار البلاد، الفعاليات التراثية الكبرى مثل مهرجان مرمي الدولي الذي يتضمن العديد من البطولات والمسابقات الدولية والمحلية التي يشارك بها جميع فئات المجتمع كبارهم وصغارهم أهمها "مهرجان مرمي الدولي للصقور والصيد" وبطولة "إصفري"، وبطولة "راس لفان" وبطولة "جمعية القناص" وبطولة "اليوم الوطني للصقور" ومعزاب "القناص الصغير" وهو مخصص للصقار الواعد والصغير، وبطولة "جمعية القناص الدولية لمسابقة السلوقي".
ومن الفعاليات التراثية الكبرى التي تنظمها الدولة "بطولة القلايل للصيد التقليدي" والتي تعتبر واحدة أهم البطولات وأكثرها إثارة وتشويقاً، ولها بصمة مميزة في تاريخ البطولات التراثية على مستوى دولة قطر ودول الخليج العربية والتي تعكس مهارة القناص القطري في طرق الصيد التقليدية الموروثة، والمعروفة في الثقافة العربية والقطرية على وجه الخصوص، حيث تقتضي هذه البطولة مشاركة فرق من القناصين يتعين عليهم صيد أكبر عدد من الطرائد، (الظبي، والحبارى، والكروان)، والتي تقوم اللجنة المنظمة للبطولة بتوفيرها.. وتستقطب هذه الرياضة العربية الأصيلة الشباب من قطر ومن دول المنطقة، باعتبارها إحدى ركائز الثقافة القطرية والموروث الشعبي القطري، ولأهميتها في إحياء تقاليد الصيد البري وتأصيل التراث وترسيخه لدى الأجيال الجديدة.
ولكل واحدة من الفعاليات التراثية والحداثية التي تنظمها الدولة في مواسمها السياحية، حكاية، تفاصيلها عميقة، بعمق تاريخ وتراث دولة قطر ومنطقة الخليج عموما، هذا إلى جانب المناشط الأخرى في أماكن التخييم مثل القنص والغوص، والطيران الشراعي، وتحضير الأكلات الشعبية، والجولات الصحراوية التي تنظمها شركات متخصصة، فيما تحرص كثير من الشركات السياحية على إغراء السياح لزيارة مناطق التخييم لتتحول المخيمات إلى أماكن ترفيهية لا تقف متعتها عند حد.
وبالتزامن مع انطلاق موسم التخييم لهذا العام، نظمت الدولة "معرض كتارا الدولي للصيد والصقور /سهيل 2020/" في نسخته الرابعة لتلبية احتياجات الصقارين والهواة والمهتمين في قطر والعالم، خاصة بعد النجاح الكبير الذي أحرزته النسخ الثلاث السابقة، ورسخ سمعته العالمية كوجهة مثالية لعشاق الصيد والصقور، وكمنصة تجارية كبرى للشركات العالمية لعرض كافة المستلزمات والمنتجات المتعلقة بالصيد ولوازم الصقور واحتياج الرحلات البرية.
وأظهر المعرض في نسخته الجديدة مجموعة جديدة ومتميزة من الفعاليات والأنشطة المصاحبة، التي تلبي احتياجات الصقارين والهواة والمهتمين، عبر مشاركة 120 شركة متخصصة في أسلحة الصيد، ومستلزمات القنص، والصقور والرحلات المحلية والعالمية، التي تمثل 12 دولة عربية وأجنبية، إضافة إلى الدولة المضيفة قطر.
وتضطلع الدولة بدور مهم في تنظيم وترتيب عملية التخييم، وفق إجراءات صارمة تضمن الحفاظ على الحياة البرية والبحرية، وبما تمليه الالتزامات البيئية في هذا الشأن، إلى جانب التشديد على اشتراطات الأمن والسلامة في المخيمات، إضافة إلى الإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، والذي دعا الجهات المعنية إلى زيادة عدد مناطق التخييم وإتاحة مساحات أوسع للمخيمين، وتطلب المزيد من الحرص والالتزام بالتدابير الاحترازية، لمنع انتقال العدوى، وحفاظا على صحة المخيمين والمخالطين لهم، وخدمة مرتادي الشاطئ.
ودعا القائمون على نشاط التخييم جميع رواد المناطق البرية والبحرية إلى اتباع الإجراءات الوقائية، كالتباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، والحفاظ على نظافة الأيدي باستمرار، لتجنب الإصابة بعدوى (كوفيد-19)، واتباع إرشادات الأمن والسلامة وأخذ الحيطة والحذر، للوقاية من الحوادث والإصابات والأمراض المحتملة.