مدار الساعة - توافق اليوم الثاني من تشرين ثاني/ نوفمبر ذكرى وعد بلفور، أو ما يطلق عليه الفلسطينيون وعد "من لا يملك لمن لا يستحق"، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ممهدا الطريق لاحتلال إسرائيلي مستمر منذ 72 عاما.
وتأتي الذكرى على الفلسطينيين في ظل شعور بـ"الخذلان والخيانة" لقضيتهم، وسط هرولة دول عربية نحو تطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من الإدارة الأمريكية.
ووقعت الإمارات والبحرين في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، اتفاقيتي تطبيع كامل للعلاقات مع تل أبيب في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وتبعها إعلان وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، بأن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، ما اعتبره الفلسطينيون، بإجماع الفصائل كافة والقيادة، "طعنة في الظهر وخيانة للقضية الفلسطينية".
وكانت "رسالة" متنكرة للوجود العربي في فلسطين، فقد حول بلفور أصحاب الأرض العرب الفلسطينيين إلى "طوائف أخرى"، وإلى أقلية على أرضهم، وأصبح الصهاينة الوافدون الجدد إلى فلسطين أصحاب حق ينظر إليهم "بعين العطف"، وفقا لنص الرسالة أو "الوعد".
ووعد من لا يملك (بلفور)، بمنح من لا يملكون (الصهاينة) وطنا على حساب من يملكون (العرب). وتحول اليهود الأقلية في فلسطين إلى أكثرية وأغلبية في عين بريطانيا القوة الاستعمارية آنذاك.
ولا تمر ذكرى هذا اليوم إلا ويجدد الفلسطينيون دعوات الاحتجاج على ما يسمونه "الوعد المشؤوم".
ومن المقرر الخروج بمظاهرات في الأراضي الفلسطينية، ظهر الاثنين، استجابة لدعوات أطلقتها القوى الوطنية والإسلامية بذكرى وعد بلفور.
وأوضحت القوى في محافظة البيرة ورام الله، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أنها تنظم مسيرة جماهيرية، "تأكيدا على مواصلة شعبنا كفاحه الوطني المشروع لنيل حقوقه".
وأشارت القوى إلى أن الفعالية "تأتي في ظرف سياسي بالغ الدقة والخطورة، حيث تتصاعد مخططات الضم ضمن سياسات تكريس الأمر الواقع الاحتلالي، واستمرار الهرولة لمستنقع التطبيع المجاني مع الاحتلال على حساب الحقوق الوطنية لشعبنا".
ويجد الفلسطينيون في ذكرى الوعد، أنفسهم بمواجهة "صفقة القرن" الأمريكية، ومخططات الضم الإسرائيلية وتهويد القدس المحتلة وتوسعة الاستيطان، ليضاف إليها صفقات التطبيع.
وأمام هذه "المؤامرات"، جدد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي، التأكيد على أن القيادة الفلسطينية "لن تستسلم للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، ولسياسة الأمر الواقع التي تفرضها حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتمرير مخططها في إنهاء الوجود الفلسطيني".
وقال أبو هولي، في بيان الأحد، بمناسبة الذكرى الـ103 لإعلان بلفور، إن "شعبنا الفلسطيني سيواصل نضاله المشروع ومقاومته الشعبية في كل المجالات ضد صفقة القرن الأمريكية والمشاريع التصفوية التي تستهدف حقوقه وثوابته الوطنية".
وأضاف: "ما أقدمت بريطانيا على تمريره قبل 103 أعوام عبر بلفور لن يستكمل على أيدي الإدارة الأمريكية عبر "صفقة القرن"، وسيدافع شعبنا عن قراره الوطني المستقل مهما كانت الأثمان".
ووصف الوعد بأنه "جريمة العصر، وأوجد أكبر مظلمة تاريخية ما زالت قائمة من خلال الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرضنا الفلسطينية، واللاجئين الفلسطينيين المشردين والمشتتين خارج ديارهم في مخيمات اللجوء، والذين ينتظرون نصرة المجتمع الدولي لهم، ورفع الظلم التاريخي عنهم من خلال عودتهم الى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 طبقا لما ورد في القرار 194.
وطالب بريطانيا بـ"الاعتذار للشعب الفلسطيني عن إعلان بلفور، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67 بعاصمتها القدس، وتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته العادلة، باعتبارها الدولة الأولى المسؤولة عن مأساته، تعويضا عن جريمتها التي ما زالت تداعياتها قائمة".
ودافعت بريطانيا، مرارا وتكرارا عن "وعد بلفور"، الصادر قبل أكثر من قرن، ومهد لاحتلال فلسطين وقيام "الدولة العبرية"، قائلة إنها "راضية عن الدور الذي قامت به لمساعدة إسرائيل على الوجود".
وقالت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة كارين بيرس، في تصريح صحفي العام الماضي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك: "نحن لا نزال نفضل حل الدولتين، ونحن راضون عن وعد بلفور، الذي ساعد على تأسيس دولة إسرائيل ووجودها، لكننا نلاحظ أن جزءا آخر من هذا الوعد لم يتم تحقيقه، وأقصد به قيام الدولة الفلسطينية".
وسهل الانتداب البريطاني لفلسطين نهاية الحرب العالمية الأولى عملية تحويل فلسطين إلى "وطن قومي" لليهود، حيث بدأ البريطانيون بتطبيق "وعد بلفور" من اللحظة الأولى لوصول قواتهم إلى القدس، بتسهيل الهجرة لليهود الأوروبيين إلى فلسطين.
ولم يأت عام 1948، وهو العام الذي أعلنت فيه بريطانيا عن إنهاء انتدابها على فلسطين، حتى كانت "الدولة العبرية" قد وضعت الأسس لإقامتها وإعلانها بشكل رسمي واعتراف الدول النافذة آنذاك بالكيان الجديد الذي أقيم على حساب أصحاب الأرض الذين تحولوا إلى لاجئين ومشردين بعد أن سلب وطنهم منهم.
ولا تزال تبعات هذا "الوعد" الكارثية تلاحق الفلسطينيين على كل شبر من وطنهم وفي الشتات أيضا، في ظل الدعم الأمريكي وصفقات تطبيع حكومات عربية مع الاحتلال، ما يزيد من شعور الفلسطينيين بـ"المرارة والخذلان".
عربي 21