والشىء الآخر : أن اللّه عز وجل أخبر عن أحد رسله أنه سخر له الجن { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات } سبأ : 13 ، وأثبت القرآن أيضاً أن الجن لا يعلم الغيب ، بدليل أنهم كانوا يخدمون سليمان عليه السلام ، وظلوا يخدمونه مع أنه ميت { ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين } سبأ : 14 ، إذن فالجن جنس له وجود ، وله تكليف ، وله اختيار ، وله تناسل وكل هذا ثابت بنص القرآن الكريم ، وكوننا لا نراه فذلك لأن طبيعة تكوينه تنافى طبيعة تكويننا ، واللّه سبحانه وتعالى قال { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } الأعراف :27 ، فهم يروننا ، ولكننا لا نراهم .
أما تسخير الجن لصالح بعض الناس ، فإن القرآن الكريم نص أيضا عليه فقال اللّه سبحانه وتعالى { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } وهنا نلاحظ أن الحق تبارك وتعالى سماهم رجالاً ، وقال : إنهم زادوهم رهقاً ، فلقد ظن الناس أنهم يستعملونهم فيما يفيدهم فأتعبوهم ، لإن الإنسان إذا أخذ خاصية جنس غير جنسه يظن أنه بذلك يزيد لنفسه فرصة النفع بالحياة ، ولكن اللّه يقول : لا ، ولكن اترك نفسك فى قانونك ، ولا تحاول أن تأخذ قانون الغير ، وإن كان أخف ، وإن كان أقدر ، لأنك إن اتخذته فلن يزيدك إلا تعباً وإرهاقاً .
ولذلك نجد كثيراً ممن يشتغلون بهذا الأمر أحوالهم سيئة ، ولا يموتون بخير ، ومصابين فى أولادهم ، وفى صحتهم ، وفى أحوالهم ، ولو كانوا يزيدون بالجن فرصتهم فى الحياة لنفعوا أنفسهم .
وأما مسألة رؤية الجن ،فإن الإنسان لا يراه على هيئته ،وإنما على هيئة أخرى ،فإذا تصور الجنى بغير صورته الأصليه فقد حكمته الصورة التى تشكل بها ، فلو تصور الجنى بصورة حمار أو كلب أو إنسان ، وكان معك مسدس ، فأطلقت عليه الرصاص فإنه يموت فى الحال ، وهذا هو الضمان الذى صنعه اللّه تعالى للإنس من الجن ، وإلا لكان الجن قد أفزعوا الدنيا كلها ، وجعلوا حياتنا نكدا ، إنما هم يفهمون أن التشكل بالنسبة إليهم أمر مخيف ، لأن الصورة تحكمهم ، ومن هنا يمكن قتل الجنى والقبض عليه .