بقلم: زيد أبو زيد
لاشك في أنَّ للإعلامِ دورًا كبيرًا في كشفِ الحقائقِ ومراقبة السلطات وإظهار مواطن الخلل أينما وقعت، ونقل الأخبار وتحليل الظواهر والأحداث وتقديمها للمواطنِ حتى يبقى على اطلاعٍ دائمٍ بمستجداتِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والاجتماعية؛ ما يساعد على بناء الخطط لمعالجة السلبيات ووضع إستراتيجيات متنوعة تتناسب وواقع الحال، ولذلك أُطْلِقَ على الإعلام لأهميته مسمى السلطة الرابعة بوصفه ركنًا رئيسًا في أي نظام سياسي.
وتحت هذا العنوان الواسع انتشرت وسائل الإعلام من صحافة ورقية إلى إذاعات استحوذت في وقت من الأوقات على الأفئدة ثم على شاشات التلفاز الحكومية، ومع ثورة التكنولوجيا انتشرت فضائيات عديدة وكانت للناطقة بالعربية منها متابعة مذهلة ولا سيما في متابعة الأحداث العالمية حتى دخلنا عصر الستالايت ومن ثم عصر الثورة الرابعة ومواقع التواصل الاجتماعي التي خلطت الحابل بالنابلِ حتى أُطْلِقَ عليها مواقع الشبكة السوداء.
لقد وضعت العديد من شاشات الإعلام وصوته، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية فائقة الانتشار المجتمع في محنة حقيقية أمام مصداقية الخبر فنزعت الثقة من المسؤول والحكومات والمؤسسات ومن ثم الدولة وحتى أنها أضعفت الثقة بين أفراد المجتمع الواحد وبذرت فيه الفتنه، وهو ما يضعنا أمام تساؤلات كثيرة حول دورها، ومستوى المهنية فيها، ومسؤولية الكلمة، وحق المواطن في المعرفة والتواصل، وخلال السنوات الماضية وقعت عدة وسائل إعلام في فخ خبر كاذب أو مشوه أو لقطة خارج السياق مستندين إلى تغريده متداولة أو فيديو مجتزأ من سياقه أو صورة مفبركة، وسار الخبر كالنار في الهشيم بعدما تناولته محطات ووسائل إعلام مرموقة، وتناقله الناس حتى أصبحت الشائعة هي الحقيقة، وأصبحت الجهة صاحبة العلاقة مضطرة إلى التصحيح والتصويب وملاحقة الأخبار المفبركة وهي للأسف كثيرة.
جاءت هذه الوقائع لتترجم واقع الإعلام، وتعكس مستوى مهنيًّا مترديًا، وانحدارًا في ممارسة المهنة أو انحدارًا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ميدانًا لخطاب الحقد والكراهية وبث السموم، لنصف ما يحدث بالفوضى الإعلامية العارمة غير المسبوقة بعيدًا عن التقاليد والأعراف المهنية، والكل في سباق محموم بلا عقل يحكمه أو ضابط يردعه، وحالة عبثية فرَّغت المهنة من محتواها وحرفيتها؛ فأصبحنا أمام إعلام شائعات ينشر أخبارًا من دون التحقق من صحتها ومصدرها ومرجعياتها وهي لم تكن أكثر من عبارة أو صورة تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لخبر هنا أو فيديو هناك، والكارثة أن يتعلق الأمر بشأن تعليمي أو تربوي أو مجتمعي، لأن نتائجه ستمس كل بيت، وستحدث فوضى وعدم استقرار مجتمعي، ليصبح الوصف الدقيق الإعلام المنفلت غير المسؤول.
إن المهزلة المهنية والأخلاقية والاستخفاف بعقلية المتابع لا يليق بمكانة الإعلام أو بمكانة المواطن، فانسياق وسائل الإعلام وراء سرعة نشر المعلومة بات يسبق أمانة التدقيق بحجة تحقيق السبق، وأصبحت بعض وسائل الإعلام بيئة خصبة لنشر الشائعات وترويجها من دون إدراك لأهمية الكلمة ومسؤوليتها، فخطورة نشر أخبار كاذبة غير صحيحة وتداولها يؤدى إلى آثار سلبية على رأسها فقدان الثقة في أساسيات التعامل مع المؤسسات الإعلامية من قبل المواطنين، واللجوء إلى مصادر أخرى للحصول على المعلومة؛ ما قد يؤدى إلى ما لا يحمد عقباه على جميع الأصعدة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد أصبح للواقع الإعلامي في ظل مواقع التواصل الاجتماعي حسابات أخرى والأصوات العالية غير المؤهلة هي الغالبة على المشهد المفتقد للرؤية والبوصلة غير مدركين خطورة المرحلة التي تواجه تحديات كبيرة وأخطار صعبة في ظل سطوة وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب فيها الشائعات دورًا كبيرًا ومجتمعًا لا تستطيع أغلب طبقاته فرز الغث من السمين، وليس أدل على ذلك ما حدث مؤخرًا في تناول كثير من القضايا ذات الصلة بحياة الناس وسمعتهم.
أعتقد أنه قد حان الوقت لوقفة جادة لتقييم أداء العمل الإعلامي بمختلف أشكاله وقنواته، وضبط إيقاع المشهد، وإصلاح منظومته، وتحديد أولويات المرحلة بصدور مجموعة مرتكزات وتشريعات نستند إليها في تصويب المسار، ومحاسبة المخطئ، حتى نرى إعلامنا موضوعيًّا يعود لدورهِ التنويري التوعوي، ويتحمل أمانة الكلمة ومسؤولية النشر في ظل الأوضاع التي نمر بها للالتزام بمعايير المهنة وأصولها وأخلاقياتها بما يتوافق مع معطيات العصر وأبجديات عمله، فيكون انعكاسًا صادقًا للمجتمع وآمال الشعب وتطلعاته، ويحمل رسائل إعلامية تحوي أفكارًا وقيمًا وآراء إيجابية، وليس شائعات وآراء تمس القيم والمعتقدات، ولذلك نحن نبحث عن نشر المعرفة والوعي لا كسب التأييد عبر التضليل ونشر الخوف والفوضى؛ فمجتمعنا بحاجة إلى تربية إعلامية قبل الإعلام.