أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

لماذا تصيب الأمراض النفس البشرية؟ وما السبيل إلى علاجها؟

مدار الساعة,أخبار الأسرة,كورونا,منظمة الصحة العالمية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - حملة “اليوم العالمي للصحة النفسية” لهذا العام تطالب باتخاذ إجراءات ملموسة لدعم صحتنا النفسية ودعم الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين يواجهون صعوبات، خاصةً في ظل الضغوط النفسية الصعبة التي تفرضها علينا جائحة كوفيد-19

الأمراض أو الاضطرابات النفسية هي أمراض أو حالات تؤثر على طريقة تفكيرك أو شعورك أو تصرفاتك أو في علاقاتك بالآخرين أو بمحيطك التي تعيش فيه. ونستطيع القول إنها أصبحت شائعة جدًّا الآن. كثيرٌ من الناس لديه أحد هؤلاء المرضى، في الجوار، أو ضمن عائلته الصغيرة، أو ربما يعرف شخصًا لديه أعراضٌ ذات صلة بأحد هذه الأمراض. [1]

ووفق منظمة الصحة العالمية، يعاني ما يقرب من مليار شخص حول العالم من الاضطرابات النفسية، كما يمكن لأي شخص في أي مكان أن يتضرر منها.[2]

وتتراوح أعراض المرض النفسي من خفيفة إلى شديدة، وقد تختلف آثارها من شخصٍ إلى آخر. في كثير من الحالات، يصعِّب المرض النفسي على المريض التعامل مع أمور حياته اليومية التي اعتاد التعامل معها في سهولة وتلقائية. ولكن عندما يقوم أحد الخبراء المتخصصين بتشخيص تلك الحالات، يمكن لهذا المتخصص أن يساعد المريض في الحصول على العلاج، كما يمكنه مساعدته، في الأغلب، على إعادة حياته مجددًا إلى مسارها الصحيح. يتضمن بعض تلك الحالات المرضية دوائر عصبية في دماغك تُستخدم في التفكير والمزاج والسلوك. على سبيل المثال، قد يكون لديك نشاط أكثر من اللازم، أو لا يكفي، لبعض المواد الكيميائية في الدماغ التي تسمى “الناقلات العصبية” داخل تلك الدوائر.[3]

ينقل الصحفي العلمي، محمد منصور، في تغطية خبرية نشرتها “للعلم” تحت عنوان “دائرة عصبية دماغية تُوازن بين اللذة والألم” عن “بو لي”، عالِم الأعصاب في مختبر كولد سبرينج، تأكيده أن: فهم العلاقة بين الدوائر العصبية والسلوك “مهم للغاية في فهم الأمراض النفسية ذات الصلة بالفسيولوجيا”.[4]

وقد تحدث بعض الأمراض النفسية أو تتفاقم بسبب الصدمات النفسية التي تحدث للأفراد بسبب أحداث وقعت لهم عندما كانوا أطفالًا أو مراهقين، مثل:

الاعتداءات أو الإساءات العاطفية أو الجسدية أو الجنسية الشديدة.

وقوع خسارة كبيرة، مثل وفاة أحد الوالدين، في وقت مبكر من الحياة.

وفي الأخير، الشعور بالإهمال.

كما يمكن أن تؤدي المصادر الرئيسية للتوتر، كالوفاة أو الطلاق، والمشكلات العائلية، وفقدان الوظيفة، والضغوط الدراسية، والوقوع في براثن إدمان المخدرات، إلى إثارة بعض الاضطرابات النفسية أو تفاقُمها لدى بعض الأشخاص. لكن ليس كل مَن يمر بهذه الأشياء يصاب بمرض نفسي. من الطبيعي أن تشعر ببعض الحزن والغضب ومشاعر أخرى عندما تكون لديك انتكاسة كبيرة في الحياة. لكن المرض النفسي أمرٌ مختلفٌ تمامًا عن تلك المشاعر الطبيعية.[5]

في تغطية لدراسة سابقة عن الكيفية التي تؤثر بها وفاة صديق في الأشخاص المقربين له، كشفت النتائج عن عدد من الآثار السلبية والدائمة التي شملت تأثر الصحة النفسية والجسدية، وضعف الصحة العقلية والأداء الاجتماعي لمدة قد تصل إلى 48 شهرًا. من جانبه، يوضح واي مان ليو -الباحث الرئيس بالدراسة- للصحفية العلمية، دعاء عبد الباقي، في التغطية المنشورة على مجلة “للعلم”، أن هناك علاقة لعامل العمر وكذلك القدرة على التعامل مع مشاعر الحزن؛ فكبار السن أكثر قدرةً على ذلك، لأنهم أكثر مرونةً بسبب عوامل كنضج المشاعر وتَوافر الدعم المجتمعي من العائلة والأصدقاء، لكنهم أيضًا يميلون إلى الشعور بالوحدة. وأضاف أن السمات الشخصية تؤثر في كيفية تكيُّف الناس مع فقدان صديق مقرب؛ فالأشخاص المنفتحون مجتمعيًّا يكونون أكثر استعدادًا لمشاركة مشاعرهم، ومن ثَمَّ سهولة التكيف مع خسارتهم؛ إذ من الضروري “ملء الفراغ” بعد وقوع خسارة من هذا النوع.

وبيَّنت نتائج الدراسة أن طريقة تأقلُم المرء مع الوفاة من الناحية العاطفية والجسدية والسلوكية والنفسية تختلف تبعًا للعرق والسمات الشخصية ومستوى التديُّن، والدعم الذي تلقَّوه، والعلاقة التي تربطهم بالمتوفى. كما شددت على أن السمات الشخصية كالقدرة على التكيُّف مع الفجيعة تؤدي فارقًا كبيرًا؛ فالأفراد الذين يتمتعون بتقدير أعلى للذات أكثر قدرةً على التحمُّل؛ فالمشاعر الإيجابية تحول دون إصابة الأشخاص بالاكتئاب والقلق الناتج من الوفاة. [6]

فئة الأطفال والمراهقين من الفئات التي طالتها الأمراض النفسية بمعدلات متنامية جدًّا خلال العقود القليلة الماضية. ووفق منظمة الصحة العالمية، يعاني واحد من كل 5 من الأطفال والمراهقين من أحد الاضطرابات النفسية. ويُعد الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسية للمرض والإعاقة بين هذه الفئات.[7]

في تغطية صحفية أجرتها الصحفية العلمية، رشا دويدار، لمجلة “للعلم”، حول دراسة مهمة لفريق من الباحثين من جامعتي بازل بسويسرا والرور في بوخوم بألمانيا، أثبتت أن الأمراض العضوية لدى المراهقين ترتبط في الغالب بمشكلات نفسية والعكس صحيح. عمل الباحثون على فحص بيانات استطلاع آراء 6483 مراهقًا من الولايات المتحدة، تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا؛ إذ اكتشفوا وجود رابط متزامن بين الأمراض العضوية والنفسية، يُعرف بـ”الاعتلال المشترك”.

وأوضحت أن أمراض الجهاز الهضمي والتهاب المفاصل التي تلي حالات الاكتئاب التي تصيب المراهقين، وكذلك الأمراض الجلدية التي تحدث لدى هذه الفئة نتيجةً للتوتر العصبي، أحد ملامح هذا الاعتلال. كما أن هناك مشكلات عضوية تسبق مشكلات نفسية، وأهمها أمراض القلب التي تسبق القلق.

يعقب جونتر ماينلشميت، من جامعة الرور في بوخوم بألمانيا، وباحث مشارك في الدراسة: “من الضروري أن نربط مبكرًا بين علاج الأمراض العضوية والنفسية، وهي مهمة شاقة لصانعي السياسات الصحية ومقدمي الخدمة الصحية على حدٍّ سواء”.

وتحت عنوان “العنف في الصغر يترك بصمته على وظائف الدماغ”، كشفت لنا الصحفية العلمية، رحاب عبد المحسن، أن التعرُّض للعنف في مرحلة الطفولة، وبشكل مستمر، يُحدث خللًا دائمًا في الألياف العصبية بالمخ، التي تتشكل في أثناء العقدين الأول والثاني من حياة الطفل، وهو ما يُحتمل أن يدفعه في المستقبل إلى الانتحار، وذلك وفق نتائج الدراسة التي نشرتها الدورية الأمريكية للطب النفسي “أميركان جورنال أوف سيكاتري”.[8]

ويحصد الانتحار أرواح ما يقرب من 000 800 شخص سنويًّا -شخص واحد كل 40 ثانية- وهو السبب الرئيسي الثاني لوفيات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وفق البيانات الواردة عن منظمة الصحة العالمية في هذا الإطار.[9]

وفيما يتعلق بأهم العوامل والأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى الانتحار، قال خالد سعيد، المستشار الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للصحة النفسية والإدمان، في الحوار الذي أجرته معه، الصحفية نجوى طنطاوي، ونشرته مجلة “للعلم”: إن السلوك الانتحاري نتيجة التفاعل بين العديد من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية، وتأتي الدوافع النفسية والإدمان على رأس هذه الأسباب، كما أن هذا السلوك قد يكون ذا صلة بالتاريخ العائلي للمنتحر، موضحًا أن أصحاب الأمراض المزمنة لديهم قابلية للانتحار أكثر من غيرهم، إضافةً إلى مَن يتعرضون لأزمات نفسية واقتصادية.

ووفق “سعيد”، ترتفع معدلات الانتحار في ظل وجود الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، خاصةً عندما يرتبط ذلك بالإقصاء والهجرة القسرية والاضطرار إلى ترك الأوطان. وهناك عوامل فردية مؤثرة مثل وفاة أحد الأقارب منتحرًا، وفقدان العمل، والسلوكيات الإدمانية، كما تؤدي العوامل البيولوجية والوراثية دورًا في إقدام الشخص على الانتحار؛ إذ ترتبط المستويات المنخفضة من هرمون السيروتونين بمحاولات الانتحار الخطيرة لدى المرضى الذين يعانون اضطرابات المزاج والفصام.

ويذهب العالِم النفسي البارز جيسي بيرينج، بجامعة أوتاجو بنيوزيلندا، في كتابه المرجعي “ذو الميول الانتحارية: لماذا نقتل أنفسنا”، الصادر عن دار نشر جامعة شيكاغو، عام 2018، إلى أنه “في الغالبية العظمى من الحالات، يقتل الناس أنفسهم بسبب أناس آخرين؛ إذ تؤجِّج المشكلات الاجتماعية نارًا قاتلة، لا سيما الانشغال مفرط الحذر بشأن رأي الآخرين فينا، أو ماذا سيكون رأيهم فينا إذا عرفوا فقط ما نعتبره حقيقةً غير مستساغة”.

هذا العام، يأتي اليوم العالمي للصحة النفسية في وقت تغيرت فيه حياتنا اليومية التي اعتدناها تغيُّرًا دراماتيكيًّا، نتيجةً لجائحة كوفيد-19 التي اجتاحت كل بلدان العالم؛ إذ لم تعد حياتنا التي اعتدنا عليها كما كانت عليه قبل انتشار فيروس كورونا المسبب لهذه الجائحة. وقد جلبت الأشهر الماضية معها المزيد من التحديات، فالعاملون في مجال الرعاية الصحية يعملون في ظروف شديدة الصعوبة؛ إذ يخشون من حمل كوفيد-19 معهم عند عودتهم إلى بيوتهم، وقد اضطر طلاب المدارس والجامعات إلى حضور دروسهم في المنزل، أو عن بُعد عبر شاشات الكمبيوتر والمحمول، مع محدودية التواصل مع المعلمين والأصدقاء، ما عزَّز لديهم شعورًا بالقلق على مستقبلهم، وهناك العمال الذين تتعرض سبل عيشهم للخطر، وكذلك أولئك الذين وقعوا في براثن الفقر ويفتقرون إلى الحماية من مخاطر العدوى بكوفيد-19، وازداد الأمر وطأةً لدى الأشخاص المصابين، من الأساس، بالحالات الصحية النفسية؛ إذ يعاني العديد منهم من العزلة الاجتماعية أكثر من ذي قبل، ناهيك بهؤلاء الذين يواجهون الحزن على رحيل شخص عزيز لم يتمكنوا في بعض الأحيان من وداعه.[10]

ومع دوام تلك الحال دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل “كورونا”، تزداد الضغوط، ويعاني كثيرٌ من الناس عدم القدرة على التكيُّف مع الظروف الراهنة. من جانبه، يوضح هاني هنري -أستاذ مشارك في قسم علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- طبيعة ما يمر به الناس من ظرف غير مألوف، قائلًا: بالنسبة للبعض تكمن المشكلة في فكرة الحرمان من شيء، أو عدم التيقُّن مما سيحدث غدًا، مشددًا على ضرورة حماية الإنسان لنفسه ولجهازه العصبي. وكما قال في حلقة النقاش الإلكترونية التي عقدتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة في 6 أبريل 2020، ونقلت مجلة “للعلم” بعض وقائعها: “يجب أن يفهم الإنسان طبيعة الإحساس الذي يشعر به، مشددًا على ضرورة معرفة أن هناك أشياءً لا يمكن للإنسان أن يتحكم بها”.

ويؤكد هاني هنري ضرورة تآزُر الأُسَر في مثل هذه الأوقات الصعبة، وخاصةً أن المرأة العاملة والزوجة حاليًّا تتحمل الكثير من الضغوطات، لذا شدد على ضرورة تقديم المساعدة للأمهات والزوجات في المنزل وإظهار التقدير لهن. وعن العاملين بالقطاع الطبي ومدى تأثُّرهم النفسي في أثناء جائحة الكورونا، قال “هنري”: “لا بد من الاعتراف بالدور البطولي للقطاع الطبي، فهم حاليًّا داخل الحدث كمَن هم في حالة حرب، لن يكون لديهم وقت بالضرورة لمراعاة حالتهم النفسية، لذا لا بد من الاهتمام بحالتهم النفسية بعد هذه الأزمة، فقد يعاني بعضهم من اضطراب ما بعد الأزمة”. وشدد على أنه: يمكننا حاليًّا الاستمرار في دعمهم وتشجيعهم معنويًّا.

وفي هذا الإطار، تشدد حملة “اليوم العالمي للصحة النفسية” لهذا العام، التي شاركت في تصميمها منظمة الصحة العالمية ومنظمة “متحدون من أجل الصحة النفسية العالمية” والاتحاد العالمي للصحة النفسية، على أن الاستثمارات الموجَّهة إلى مجال الصحة النفسية ليست كافية، على الرغم من أنه حظي باهتمام عالمي متزايد في السنوات الأخيرة، مطالِبةً بزيادتها والاهتمام بهذا الأمر ووضعه في موضع الأولويات.

وتطالب الحملة بأن نعمل نحن الأفراد على اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم صحتنا النفسية ودعم أصدقائنا وأفراد أُسرنا الذين يواجهون صعوباتٍ كثيرةً هذه الأيام، وكأرباب عمل باتخاذ خطوات لوضع برامج لرعاية الصحة النفسية للموظفين، وعلى الحكومات الالتزام بإرساء خدمات الصحة النفسية أو توسيع نطاقها، أما الصحفيون فعليهم تعريف العالم بما يمكن عمله وما يجب عمله لجعل الصحة النفسية حقيقةً واقعةً للجميع.[11]

مدار الساعة ـ