مدار الساعة - هو الإمام العلامة المحقق المفسر المحدِّث الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى ببن بدران الدمشقي –رحمه الله تعالى- ، فقيه أصولي حنبلي، عارف بالأدب والتاريخ، له شعر.كان سلفي العقيدة، فيه نزعة فلسفية، حسن المحاضرة، كارها للمظاهر، قانعا بالكفاف، لا يعني بملبس أو بمأكل، عُين مفتيا للحنابلة ، ومُدرسا بالجامع الأموي. وقد ألف مؤلفات الكثيرة تشهد له بالفضل وسعة الاطلاع.
يعتبر ابن بدران أحد أعيان علماء المسلمين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد لقب بابن بدران، نسبةً إلى بَدْرَانَ اَلسَّعْدِيّ الجدّ الأكبر للأسرة، وهو حِجَازِيُّ اَلْأَصْلِ من بني سعد.
وقد مرّت مسيرة ابن بدران في طلب العلم، عبر ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ببلدته دوما، حيث أُلْحِقَ في صغرهِ بكُتَّابِ الشَّيخِ عدنانَ بنِ محمَّدِ عَدَس في جامع المَسْيَدِ، حيث تعلَّمَ مبادئ القراءةِ والكتابةِ.
المرحلة الثّانية: ببلدته دوما كذلك، عند بلوغه سنَّ الرشد، حيث انتقل إلى الجامع الكبير، وتلقّى العلم فيه على يد جَدِّهِ اَلشَّيْخِ مُصْطَفى بدران وكان ضريراً، ثم على يد شيخه الشَيْخِ مُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ اَلْحَنْبَلِيِّ، اَلْمَشْهُورِ بِخَطِيبٍ دُومَا (ت 1308هـ)، فقرأ عليه كتابَ ’مختصرِ الإفاداتِ‘ للعلاَّمة البَلْبانِيِّ الحنبليِّ، وتأثَّرَ بأسلوبِه وطريقتِه.
المرحلة الثالثة: مرحلة الرّحلةَ فِي طَلَبِ اَلْعِلْمِ، حيث انتقل إلى دمشق، حاطّاً رحاله بدار الحديث الأشرفيّة، التي كانَ يُقيمُ فيها مُحدِّثُ الشَّامِ العلاَّمَةُ محمَّدُ بدرِ الدِّينِ الحَسَنِيُّ ـ رحمه الله تعالى ـ، فاتَّصلَ به، وأخذَ عنهُ، ومدحَهُ، وأثنى عليهِ، وتلقّى في هذه الدار كذلك عن شَّيْخِ اَلشَّامِ, وَرَئِيسِ عُلَمَائِهَا اَلشَّيْخِ المحدّث سُلَيْمِ بْنِ يَاسِينَ اَلْعَطَّارِ, اَلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ أَجَازَهُ بِالْحَدِيثِ إِجَازَةً عَامَّةً, وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 1306 هـ ، كما درس علوم اللغة العربية على يد الشيخ طاهر الجزائري، أحد كبار علماء الشام ومصلحيها.
ومن شيوخه اَلْعَلَّامَة مُحَمَّدِ بْنِ مُصْطَفًى اَلطَّنْطَاوِيِّ اَلْأَزْهَرِيِّ, نَزِيلِ دِمَشْقٍ, الّذي تلقّى على يديه علوم اَلْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيقَاتِ, كَمَا تتلمذ على اَلشَّيْخِ عَلَاءِ اَلدِّينِ عَابِدِين اَلْحَنَفِيِّ، وكذا عَنْ مُفْتِي اَلْحَنَابِلَةِ اَلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنٍ اَلشَّطِّيِّ، واَلشَّيْخُ مُحَمَّد بْن يَاسِينِ اَلْعَطَّار، واَلشَّيْخُ عُمَر اَلْعَطَّار.
كما يُذكرُ من شيوخه شَيْخُ اَلْأَزْهَرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْبَابِي (ت: 1313ﻫ)، فإمّا أن يكون ابنُ بدران قد رحلَ إليه في مصرَ، أو أنَّه التقاهُ في دمشقَ،
يقول في هذا الصدد: “إنني لما مَنَّ عليَّ بطلب العلم ، هجرت له الوطن والوسَن ، وكنت أطوف المعاهد لتحصيله وأذهب كل مذهب … فتارة أطوح بنفسي فيما سلكه ابن سينا … وتارة أتلقف ما سكبه أبو نصر الفارابي من صناعة المنطق”.
هذا جانب من عقيدته ، وهناك جانب آخر لا يقلّ عنه أهمية ، ألا وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية ، التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.
كما كان ابن بدران يظهر تعلقه بأئمة السلف: ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، فيقول: “كان ابن تيمية على منهاج ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان ، ويناهض حصون العادات السيئة والبدع ، فيدُكّها ولا يخشى في الله لومة لائم .. فهبّ قوم قصروا عن مداه ، فعاندوه حسداً وبغياً .. ولاشك أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، فعليه رحمة الله تعالى” [الفتاوى القازانية ص207]
أما مذهبه فقال محمد بن سعيد الحنبلي :”… وكان شافعياً ثم تحنبل”.
وقد تميز ابن بدران بالعفة والأدب والعلم والتقوى ، مع الزهـــ د في حطــام الدنيا ..
قال عنه الزركلي:” فقيــه أصولي ، عارف بالأدب والتاريخ كاره للمظاهر ، يقنع بالكفاف ، لا يُعنى بملبس أو بمأكل ، ضعف بصره قبل الكهولة ، وفلج في أعوامه الأخيرة” [الأعلام 1/37]
وقال الأستاذ أدهم الجندي:
“وبرع ابن بدران في سائر العلوم العقلية والأدبية والرياضية ، وتبحر في الفقه والنحو ، فكان –رحمه الله- علماً من الأعلام”، وقال: “كان شيخاً جليلاً زاهداً في حطام الدنيا ، متقشفاً في ملبسه ومسكنه ومعيشته ..” [أعلام الأدب والفن: 1/224-225]
وقال عنه محمد تقي الدين الحصني:”كان سلفيَّ العقيدة ، يبح التقشف ويميل بطبعه إلى الانفراد عن الناس ، والبعد عن الأمراء ، وله اختصاص في علم الآثار والكتب القديمة ، ومعرفة أسماء الرجال ومؤلفاتهم من صدر الإسـلام إلى اليوم” [منتخبات التواريخ لدمشق:2/762-763]
وقال الشيخ محمد بن السعيد العثماني:
” كان –رحمه الله- شيخاً جليلاً مقتفياً لطريقة السلف الصالح مدافعاً عنها ، صابراً على أذى الأعداء فيها ، تاركاً للتعصب ، مع الدين والتقوى والعفة والصلاح .. ” [نبذة من ترجمة ابن بدران في آخر المدخل]
وقال العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار في كلامه عن شيخيه جمال الدين القاسمي وابن بدران:
“وكانت صلة ابن بدران بالقاسمي حسنة ، وكان للشيخين أمل كبير وسعي عظيم ، وفي تجديد النهضة الدينية العلمية في ديار الشام ، فقد أشبها –رحمهما الله- أئمة السلف تعليماً للخواص ، وإرشاداً للعوام ، وتأليفاً للكتب النافعة ، وزهداً في حطام الدنيا الزائلة” [مقدمة منادمة الأطلال]
وقال محب الدين الخطيب حين ذكر وفاته في مجلة الفتح:
” هو –أي ابن بدران- من أفاضل العلماء .. تلقى العلم عن المشايخ مدة خمس سنوات ، ثم انصرف إلى تعليم نفسه بنفسه ، فكان من أهل الصبر على التوسع في اكتساب المعارف ، من العلوم الشرعية والأدبية والعقلية ، وهو حنبلي المذهب .. ” [الفتح،العدد 67]
أولاً: علامة الكويت اَلشَّيْخِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ دِحْيَانَ، كَانَت لَهُ به صِلَةٌ مودّةٍ وثيقةٍ, توطّدت من خلال مُرَاسَلَاتٍ عِلْمِيَّةٍ وَمُذَاكَرَاتٍ فِقْهِيَّةٍ ورسائل وُدّية, وكان من ثمرة هذه العلاقة مُؤَلَّفٌ مُسْتَقِلٌّ أَلَّفَهُ اِبْنُ بَدْرَانَ جَوَابًا عَلَى أَسْئِلَةِ اِبْنِ دِحْيَانَ عَلَّامَة اَلْكُوَيْتِ، رَحِمَ اَللَّهُ اَلْجَمِيعِ .
ثانياً: الْأَمِير عَبْدِ اَلْقَادِرِ اَلْجَزَائِرِيِّ, الّذي اتّصل بابن بدران، واصطحبه فِي رِحْلَتِهِ إِلَى أُورُبَّا وَالْمَغْرِبِ, والتي دامت سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ذَكَرَها ابن بدران فِي كِتَابِهِ “تَسْلِيَةِ اَللَّبِيبِ” وصاغَ مذكِّراتِهِ فيها شِعْراً أودَعَهُ ديوانَه: ’تَسْليةُ اللَّبيبِ‘.
ثالثاً: الوجيه محمودٌ الباروديُّ ـ أحدُ رجالِ السِّياسةِ والتِّجارةِ في سوريَّةَ الذي نزلَ ابنُ بدرانَ في ضِيافتِهِ سنتينِ ونِصْفَ السَّنَةِ بعدَ نفيه من بلدته دوما وهجرتِه إلى دمشقَ.
رابعاً: العلامة المصلح المفسّر المحدّث محمد جمال الدين القاسميّ، حيث كَانَ لَهُ وَلِلْقَاسِمِيِّ أَمَلٌ كَبِيرٌ, وَسَعْيٌ عَظِيمٌ فِي تَجْدِيدِ اَلنَّهْضَةِ اَلدِّينِيَّةِ اَلْعِلْمِيَّةِ .
وكثير من الشخصيات الأخرى مثل أميرُ الحَجِّ وصَدْرُ سوريَّةَ الأميرُ عبدُ الرحمنِ باشا اليوسفُ والعَلاَّمَةُ الرُّحَلَةُ الأستاذُ خليلُ بنُ بدرٍ الخالديُّ المقدسيُّ (ت: 1360ﻫ) .
وقد أصيب ابن بدران آخر حياته بمرض الفالج ، فنقل للمستشفى وظل فيه ستة أشهر ، ثم خرج ، وتوفي – رحمه الله- في ربيع الثاني 1346. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.
المصدر : بورتريه من مصادر متعددة