مدار الساعة -يعيش العالم منذ أشهر وضعا استثنائيّا لم يشهده من قبل جرّاء انتشار وباء فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19) الذي انطلق من مدينة وُوهان بالصّين لينتقل إلى كلّ أرجاء المعمورة، مخلّفا عديد الوفيات والإصابات، كما سبّب انعكاسات تعدّت الجانب الصحّي لتمسّ جوانب اقتصادية، اجتماعية، تعليمية وبيئيّة.
وفي منتصف شهر مارس 2020 أعلنت منظّمة الصحّة العالمية أنّ الوباء انتقل إلى درجة جائحة كونه انتشر بشكل واسع النّطاق وبسرعة فائقة عبر دول العالم مسبّبا عدّة وفيات.
ومن أجل محاصرة الجائحة والتقليل من عدد الإصابات، قرّرت مختلف الحكومات تطبيق إجراءات العزل والحجر الصحيّين، مما استدعى توقيف كلّ النشاطات الاقتصادية، الرياضية، الثقافية والتعليمية.
لم يعرف العالم وضعا مُماثلا من قبل، فهذه الجائحة سبّبت شللا تامّا لكلّ أوجه النشاط الإنساني، وقصد التّخفيف من حدّة إجراءات العزل وتسهيل التواصل بين الأفراد، أضحى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ضروريا قصد مواصلة تقديم الخدمات الأساسية عبر شبكة الإنترنت من خلال العمل عن بُعد، تسديد الفواتير إلكترونيا، التعليم عن بُعد وكذلك التجارة الإلكترونية.
غير أنّ هذا لم يكن مُمكنا بشكل متساو عبر كلّ دول العالم وذلك بسبب عدم توافر الأجهزة والمهارات اللاّزمة التي تمكّن الأفراد من استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهذا ما يطلق عليه بالفجوة الرّقمية.
تشير الفجوة الرّقمية (The Digital divide) إلى التفاوت الموجود بين الأفراد، المؤسّسات والدّول فيما يتعلّق بامتلاك وإجادة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن العوامل التي تعزّز هذه الفجوة هو الظروف الاقتصادية المتردّية التي تحول دون تمكين الأفراد، الأسر، المؤسّسات والدّول من اقتناء التجهيزات التكنولوجية الملائمة (كأجهزة الحاسوب، الهواتف الذكيّة، اللوحات الرقمية أو الحواسيب المحمولة)، إضافة إلى عدم التوصيل بشبكة الإنترنت ذات النّطاق العريض. هذا فضلا عن نقص المهارات الضرورية لاستخدام هذه الوسائل.
وبذلك فظهور الفجوة الرّقمية يعود إلى الأسباب التّالية:
تبرز الفجوة الرّقمية خصوصا بين الرّجال والنّساء، بين الشّباب وكبار السنّ وكذلك بين سكّان المدن والأرياف لاسيما في الدّول الأقل نموّا. حيث تشير إحصائيّات الاتّحاد الدّولي للاتصالات إلى أنّه في سنة 2019 بلغت نسبة الأسر التي تمتلك حاسوبا 9,5 % في الدّول الأقلّ نموّا مقابل 38,5 % في الدّول النّامية، في حين تصل هذه النّسبة إلى 82,3 % في الدّول المتقدّمة.
فيما يتعلّق بالولوج إلى خدمات الإنترنت انطلاقا من المنازل، تتمتّع 87 % من الأسر المتواجدة في الدّول المتقدّمة بذلك في حين لا تتجاوز هذه النّسبة 11,8 % في الدّول الأقلّ نموّا.
هذا وقد بلغ عدد الأفراد الذين يستخدمون شبكة الإنترنت خلال نهاية سنة 2019 نسبة 28,2 % في إفريقيا، مقابل 51,6 % في الدّول العربية لتصل إلى 77,2 % في الأمريكيتين و82,5 % في أوروبا.
إنّ هذه الأرقام توضّح بشكل جليّ عُمق الفجوة الرّقمية المتواجدة على الصّعيد الدّولي والتي برزت حدّتها بسبب جائحة كوفيد-19 لاسيما خلال فترة الحجر الصحّي، حيث اضطرّ ملايين الأشخاص إلى البقاء في منازلهم مخافة العدوى، وبالتالي زادت الحاجة إلى استخدام الإنترنت قصد التواصل مع الآخرين وكذلك لضمان استمرار العمل والتسوّق عن بُعد.
كما أنّ التعليم عن بُعد أضحى بديلا أساسيا للتلاميذ والطّلبة من أجل مواصلة تعليمهم بعدما أغلقت المؤسّسات التعليمية أبوابها في 191 بلدا. غير أنّ الفجوة الرّقمية لم تُتح هذا النّمط التعليمي لكثير من الأشخاص بسبب العوز والافتقار إلى التوصيل بشبكة الإنترنت ذات التدفّق العالي.
وفي تقرير نشرته منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة (UNICEF) أكدت فيه أنّ ثُلث التلاميذ عبر العالم أي ما يعادل 463 مليون طفل لم يتمكّنوا من متابعة تعليمهم عن بُعد خلال هذه الجائحة. وهذا التوقّف عن الدّراسة لمدّة أشهر سيكون ذو تأثير سلبي بالغ على الأطفال.
خُلاصة القول: نّ هذه الأزمة الصحيّة العالمية التي لاتزال تبعاتها مُستمرّة إلى غاية اليوم أبانت عن أوجه القصور في الكثير من الدّول العربية والإفريقية التي أهملت لسنوات طويلة ترقية التكنولوجيات الرّقمية، لذلك فهي مُطالبة بتحسين البُنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ذات الجودة العالية، بالإضافة إلى التكوين والتدريب اللذان يسمحان للأفراد بإجادة استخدام هذه التكنولوجيات في كلّ أوجه الحياة من تعليم، عمل، ترفيه وتسوّق.