الساعة - سيتغير المشهد السياسي في العالم بشكل كبير بحلول العام 2030، وعدد الدول العظمى سيزداد، وستنضم إلى الولايات المتحدة كل من روسيا والصين وألمانيا والهند واليابان.
هذا ما رأته مجلة "Forbes" مؤخرا، متنبئة بأن سلطة الدول ستزداد "توزيعا" من خلال المنظمات والمؤسسات غير الحكومية، مضيفة أن واقع حال نظام ما بعد الحرب سيبقى على حاله بشكل عام، مع تضاعف الغموض وعدم الاستقرار.
ولفت التقرير إلى أن العلماء في تسعينيات القرن الماضي، وبالأخص الفيلسوف الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية فرانسيس فوكوياما، الذي نظّر لتراجع واختفاء الدول القومية، بحجة أنها لن تصمد أمام هجمة العولمة، إلا أنه تبين الآن أن تلك التوقعات غير دقيقة إلى حد كبير، وأن "الإشاعات" بشأن نهاية الدول القومية قد بولغ فيها بشكل كبير.
وبالمقابل، تراكم الدول القومية الكبرى قوتها، ويظهر ذلك جليا على سبيل المثال في إمكانياتها الدفاعية، ودخلت إلى قائمة العشر دول الأكثر إنفاقا على الدفاع العام 2015، بحسب معلومات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند واليابان وألمانيا، وهي ذات الدول التي ستهيمن على الكوكب بعد عقد ونصف.
تلك الدول، يقول التقرير، فيما تتحدث عن السلام، تستعد جليا لحرب محتملة، ولا يقتصر الأمر عليها، فإنفاق كل الكوكب على الدفاع في ارتفاع مضطرد منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وقد تجاوز في العام الماضي 1.6 تريليون دولار، وهذا التوجه، يرى الخبراء، أنه سيتواصل في العقد المقبل.
وستواصل هذه الدول الست الهيمنة حتى في مجال النمو الاقتصادي، وفي هذا الشأن، واستنادا إلى الناتج الإجمالي الداخلي مع الأخذ بالحساب القدرة الشرائية، فقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة، وكذلك روسيا، وبحسب هذا المؤشر تأتي ضمن الخمس الأوائل لأكثر الدول نموا.
وترى "Forbes" أن هذه الدول ستحتفظ بصدارتها في العام 2013، ويمكن أن تنضم إليها البرازيل وكندا وفرنسا وإيطاليا والمكسيك، وعدة دول أخرى.
ويستدرك التقرير قائلا إن الدول القومية ليست الشكل الوحيد للتنظيم السياسي والاقتصادي للمجتمع، وهي، أي هذه الدول القومية، تتقاسم تدريجيا السيادة والسلطة والنفوذ مع صيغ الإدارة الأخرى. هذا التغير تسرعة الثورة الصناعية الرابعة، وكما توضح الخبيرة الاقتصادية آنا - ماري سلوتر، فإن "الدول القومية هي بمثابة شبيهة برقعة شطرنج جيوسياسية، لكن قواعد اللعب يزيد من صعوبتها شبكة الأعمال العنكبوتية الكثيفة، وشبكة النشاطات الاجتماعية والإجرامية".
ويقول التقرير إن الخبراء السياسيين يركزون على أربعة أخطار تهدد وجود الدول القومية، أولها يكمن في أن إعادة توزيع السلطة والصلاحيات بين عدد من الدول العظمى ينتهك بشدة النظام العالمي القائم، فالاتحادات القديمة، التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية، تخلي مكانها لتحالفات جديدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ويرى التقرير أن هذه التغييرات من جهة، تعكس المستجدات السياسية والاقتصادية في حياة المناطق، لكن من الجهة الأخرى تزيد من مخاطر التقلبات ويمكن أن تؤدي حتى إلى الحرب.
كما أن ضعف الدول القومية التدريجي، ثانيا، يؤدي إلى إقامة منظومات إدارة موازية، وتوجد على الكوكب الآن أكثر من 4 آلاف منطقة اقتصادية خاصة مسجلة رسميا، وهي نماذج شبيهة بالدول. ويوجد عدد غير قليل من مثل هذه المناطق في الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، وتعد ناجحة تماما، في حين أن وضع المناطق الاقتصادية التي ظهرت بسرعة مؤخرا في إفريقيا وجنوب آسيا أكثر تعقيدا.
ثالثا، الدول القومية وشبه الدول تتعرض لضغوط متزايدة وباستمرار من قبل المؤسسات والائتلافات غير الحكومية واللامركزية، ويسهم في تشكيل السياسة الوطنية عدد كبير من الشركات المتعددة الجنسيات التي يتضاعف وزنها في كل وقت، وما يوحد هذه المؤسسات من بين أمور أخرى، الارتباط القوي بالتكنولوجيا الرقمية. وتطور وانتشار التكنولوجيات الجديدة، يعزز في وقت واحد ويدمر الدمقراطية، بحسب "Forbes"، إذ أن الثورة الصناعية الرابعة تعرض على الإنسانية إيجابيات ضخمة لكنها تخفي في طياتها أخطارا كثيرة.
والخطر الرابع يكمن في أن قوة الدول القومية يضعفها المدنية والمدن الكبرى التي تزداد قوة على الكوكب، فعدد المدن المتوسطة والكبيرة في العقود الستة الأخيرة ازدادت عشر مرات. ويوجد الآن على الكوكب 29 مدينة ضخمة بعدد سكان لا يقل عن 10 ملايين نسمة، و163 مدينة بسكان يتراوح عددهم بين 4 – 10 ملايين، والمدن المليونية يصل عددها إلى 538، وفي نفس الوقت تملي المدن الكبرى بذاتها، وبمعزل عن الدولة، شكل ومعايير وقواعد التعايش داخلها، ولا يقتصر الأمر على السياسة الداخلية بل والخارجية، ولهذا السبب، يقول التقرير ليس من المدهش، إن تتحول جغرافيا السلطة تدريجيا نحو المدن الكبرى.
ووصل التقرير إلى استنتاج مفاده أن الدول القومية ستبقى حتى عام 2030 وستواصل لعب الدور الرئيس في حياة البشرية، لكن، بالإضافة إلى المخاطر الأربعة الأساسية، يهدد وجودها عدد كبير من الاخطار الصغيرة والتي لا يمكن تجاهلها، والأمر الأهم، بحسب "Forbes" أن لا تتحول الدول القومية إلى بقايا تاريخية، وأن لا تبدأ في تهديد وجود وازدهار الإنسانية، وعلى كل حال شكل التنظيم الاجتماعي البديل في صيغة المدن الكبرى، لم يثبت فائدته حتى الآن. وهذا يعني أن لا بديل عن الدول القومية، على الأقل في هذه المرحلة من التطور.
المصدر: expert.ru