مدار الساعة -يعاني الإرث الديني هجوما شرسا من الحركات ما بعد الحداثية بدء من العلمانية السائلة والمادية والوجودية والعدمية واللأدرية، والتي ظاهرَها في هجومها الشرس الفلسفات المعاصرة من الوضعية المنطقية والبنيوية والتفكيكية، وكلها أمدّت حركة الجندر الجديدة بسهام مسمومة لتفكيك مفهوم الأسرة والزوجية الذي يستمر به النوع الإنساني.
ومن المتداول الإعلامي أن سهام النسوية المتطرفة لا تنال إلا الإسلام دينا وشريعة وتقاليد، على الرغم من عدم مسؤوليته عن مآسي المرأة في أوروبا الإقطاعية الوسطى، ولا الحديثة ولا حتى المعاصرة.
ومن تلك السهام التي تتوجه إلى الإسلام دعوى مظلومية المرأة في قضية إباحة التعدّد على الرغم من أنه قصر التعدّد وقيده، وجعل له شروطا قاسية، بعدما كان الأمر مفتوحا بلا نهاية في الديانات السابقة.
ويتناسى هؤلاء أن التعدّد تقليد بشري قديم، عرفته الحضارات والتجمعات البشرية كلها، وإذا كان المجال لا يسمح باستقراء ما سبق، فإننا سنقف عند الديانتين التوحيديتين اللتين نكصتا عن مجابهة الحركة الجندرية والنسوية، بل وتماهت بعض طوائفهما وكنائسهما مع المقالات الفاجرة الحديثة.
فالتوراة وهي العهد القديم والكتاب المقدس عند الطائفتين اليهودية والنصرانية مليئة وغاصة بعديد النصوص المبيحة للتعدّد بلا قيد ولا عدد ولا نهاية، في كثير من الأسفار، ولأشخاص كُثر من عهد ما قبل نوح، ومن الآباء المؤسسين، أو الرسل، أو الأنبياء، أو صغار الأنبياء -بلغتهم- والملوك، وكذا العامة.
تتحدث التوراة في عديد النصوص عن التعدّد عند الأنبياء والرسل والملوك، وفي مختلف التشريعات مثل:
يظهر الأثر الإسلامي والتقليد الشرقي أيضا في أن السفارديم أي اليهود الشرقيون ظلوا يعدّدون، في حين فإن الإشكناز الغربيين وبضغط من الكنيسة والمجتمعات المسيحية التي كانت تضطهدهم اضطروا إلى التماهي معها ومنع التعدّد بفتوى الحاخام “جرشوم بن يهودا” في ألمانيا.
والذي نخلص إليه أن تعدّد الزوجات ليس أمرا خاصا بالشريعة الإسلامية التي هذبته وقيدته وسيّجته بعديد الشروط بما يعود بالنفع على الزوجين كليهما، وإنما هو تقليد قديم قدم مؤسسة الزواج البشرية، فقد عرفته كل الأقوام والحضارات، وجاءت الشريعة اليهودية لتقننّه فقهيا، وكذلك المسيحية الأولى كما سيأتي لاحقا، وإذا كان من عتب للحركات النسوية فإنما يتوجه إليها في ذاتها وفي طبيعتها الصراعية اللإنسانية، أو يتوجه إلى التطبيقات المشينة للأفراد والمجتمعات المنحرفة عن هدي الشرائع، والإسلام لا يتحمل وحده أوزار الكذبة من الأحبار، ولا الفجرة من الرهبان، ولا المنحرف من العادات والأعراف، فتشريعه السامي رحيم حكيم لائق بمصالح الإنسان لأنه تنزيل اللطيف الخبير.