مدار الساعة - لقمان إسكندر – انتهى زمان كان تعتبر فيه الفعاليات الانتخابية التي تشارك فيها جماعة الاخوان المسلمين معارك توشك أن تفتح بعدها بيت المقدس. ففي الأفق ما يشي بالانتهاء من مراجعات من وحي الواقع عملت وتعمل عليها الجماعة، وتهدف إلى التقدم خطوتين إضافيتين نحو النظام السياسي. وقد فعلت.
وهنا يمكن الاسترشاد بتوطئة الجماعة خلال إعلانها عن المشاركة في الانتخابات النيابية.
أن يصل بأحد نواب جماعة الاخوان المسلمين مهاجمة النائب عبدالكريم الدغمي لأنه وصف مجلس النواب الماضي "بالديكور"، فهذا يعني الكثير، وأول ما يعنيه تقديم قرابين على مذبح السلطة، بأننا "نمر من هنا" فتلطفوا.
لكن هذا لا علاقة له بما قدمه اليوم المفكر السياسي والقيادي في الحركة الإسلامية زكي بني إرشيد. بني ارشيد قال اليوم ما سيجلب عليه من أوساط الحركة الإسلامية المتاعب.
فيما يبدو أن الرجل كان يخاطب فئتي الجماعة: الرافضين للمشاركة في الانتخابات والمتحمسين لها.
وتعاني الجماعة تطرفا في الخطاب السياسي من هاتين الفئتين: فئة الرافضين الذين تطالبهم القيادة الالتزام التنظيمي بقرار الجماعة. أما فئة المتحمسين للمشاركة، فيبدو أن منشور بني إرشيد موجه لهم، في محاولة لصياغة رؤية سياسية جديدة، وكأنه فيها يحاول وضع مكابح سياسية على توجهاتهم: "تواضعوا يا قوم.. نحن لا نخوض معركة حطين".
الحق أنك تشعر في الخطاب الانتخابي لدى بعض عوام الجماعة أنهم مقبولون على إحدى الغزوات.
"لسنا ملائكة والآخرون شياطين". لم يقل بني إرشيد ذلك، لكنه قال: المشاركة الانتخابية ليست بين الحق والباطل.
صحيح أن هذه الفكرة تقترب لتكون انتحارا سياسيا، لكنها بالطبع ذات وجاهة. اما لم هي انتحار سياسي فلأن الصنارة التي تصطاد فيها الجماعة مناصريها، عليها أن تكون متطرفة وتوحي بأفكار مقدسة، وإلا لِمَ أصلا يميل المناصرون إليها دون أفكار الآخرين.
إن ما قدمه بني ارشيد اليوم فكرة سيكون لها ما بعدها، خاصة وأن مياها كثيرة جرت بعد حقبة "الإسلام هو الحل"، الشعار الذي ما زال يطرحه بسطاء الحركة الإسلامية وعامتهم، برغم اختفائه من أدبيات جماعة الاخوان المسلمين.
إن تجربة السنوات الأربع التي قضاها ممثلو جماعة الاخوان المسلمين في مجلس النواب المنحل مؤخرا طبختهم جيدا، وهو ما أدى فيما يبدو إلى مراجعات سياسية تدريجية وغير معلنة لتموضع "القيم السياسية" التي تبنتها الجماعة منذ عام 1989.
على أن ذلك لا علاقة له بالملاحظات التي أبداها زكي بني ارشيد، فالرجل، ومنذ سنين عكف على قراءات جديدة، - بدت وكأنها خارج سياق الجماعة نفسها - سواء للمشهد المحلي او الإقليمي والدولية، متأثرا فيما يبدو بعلاقاته الفكرية الواسعة خارج الحدود. ثم ها هي الجماعة تلحق بما احتجت به عليه سابقا.