بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينه
بعد أشهر من رفع الحظر الشامل الذي عشناه على مدى أسابيع منذ بداية انتشار فيروس كورونا في منتصف شهر آذار وحققنا نجاحات عز نظيرها في السيطرة على الوباء والحد من انتشاره في كافة محافظات المملكة وخصوصا في محافظات الجنوب، وكانت الإصابات والوفيات في حدها الأدنى، وبدأنا نعيش أجواء الفرح والزهو والسعادة بانتصارنا على الوباء، وبدأنا بكيل عبارات المديح والثناء للحكومة ولوزارة الصحة وبالأخص وزيرها المؤدب، ونظمت قصائد الشعر بحقه، وتغنينا بلجنة الأوبئة وفرق تقصي الوباء وكافة طواقم الفرق الطبية والصحية، ولكن يا فرحة ما تمت، ففي غمرة نشوة البهجة والفرح بالنصر، ارتخت طواقم الحكومة في عملها على اعتبار أن الفيروس نشف ومات، وبدأنا بفتح القطاعات الواحد تلو الآخر، ولم نعد نلتزم بالتعليمات الصحية والسلامة العامة، من ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي وغسل اليدين، وبروتوكولات الإجراءات الإدارية سواء في الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة أو على الحدود والمعابر البرية.
وفي ذروة تراجع الأعداد إلى الصفر، استغل الفيروس تكاسل وارتخاء الطواقم الرسمية وتسلل عبر إحدى المنافذ الحدودية ويدخل البلد ونحن نيام، وبدأ الفيروس بالإنتشار بشراسة بشكل أفقي وفي كافة المحافظات والمناطق، وبدأت أعداد الإصابات والوفيات بالتزايد السريع دون وجود خطة محكمة للمجابهة والمواجهة لكبح جماحه والسيطرة عليه، وللأسف ورغم كل وعود الحكومة ومكابرتها وإصرارها على عدم العودة أو اللجوء إلى الحظر الشامل إلا أنها باءت بالفشل، فاستغلت الحكومة فترة استقالتها وتكليفها بتصريف الأعمال، وانشغال رئيس الحكومة الجديدة بالتشكيل لتعلن عودة الحظر الشامل نهاية الأسبوع ولإشعار آخر رغم تناقض الوعود والتصريحات بين مسؤول وآخر بنفس الحكومة وبنفس اليوم، شيء يدعوا للحزن والأسف لما آل اليه الوضع الصحي والوبائي في الأردن، فأصبحت الوفيات والإصابات تتزايد بشكل قياسي والحكومة عاجزة عن عمل اي شيء سوى المناداة بضرورة الإلتزام بالتعليمات ونشر التوعية والظهور على شاشات الإعلام للتحليل وجلد الذات ومناكفة بعضنا البعض والتوقعات كم ستزداد الإصابات في الأيام القادمة، دون تقديم أو طرح الحلول المنطقية والواقعية والموضوعية القابلة للتطبيق والنجاح، وكثر المحللين الطبيين من ذوي الإختصاص كل يفتل عضلاته على الحكومة والشعب دون تحريك ساكن أو المساندة الحقيقية للدولة بتوصيات علمية وطبية لمواجهة هذه الأزمة الوبائية ، على الرغم أن الفيروس غزا الكوادر الطبية والصحية، ولم تسلم منه حتى المراكز الصحية والمستشفيات الكبرى الحكومية منها والخاصة، علاوة على الوزارات والدوائر الرسمية والخاصة على اختلاف نوعية خدماتها، وجففنا البسمة من على شفاه أطفالنا وطلابنا في المدارس بتعليق التعليم الوجاهي والعودة إلى التعليم عن بعد في المنازل حاملين معهم كتبهم وخيبة آمالهم بالقادة التربويين ، عدا عن الكلف المالية التي تكبدها الأهالي كرسوم للمدارس الخاصة بعد أن أخذوا وعودا مشددة من وزارة التربية والتعليم من مختلف مسؤوليها بأن التعليم سوف يكون وجاهيا وفي المدارس، حقيقة عشنا حالات تخبط في الوعود والإجراءات والقرارات لم نعشها ولم نلمسها منذ عقود من الزمن، ونحن على أعتاب حكومة جديدة قيد التشكيل سترى النور قريبا بعد ساعات نتمنى أن تحمل معها رؤيا وخطط بديلة عن الحظر لكبح جماح الفيروس والسيطرة علية وتخفيض أعداد الإصابات والوفيات إلى مستوى معقول ومقبول، لا أن تعيدنا إلى المربع الأول، عام صعب بكل معانيه مر علينا عشناه وما زلنا نعيشه أثر علينا سلبا كحكومة وكمجتمع افرادا ومؤسسات من كافة الجوانب الإجتماعية والاقتصادية والتعليمية والسياسية، وأربك المشهد الوطني من كافة جوانبه وقطاعاته وأفسد علينا متعة الإنتخابات النيابية التي ننتظرها كل أربع سنوات للتعايش الفكري والثقافي والسياسي والمجتمعي، على كل حال كانت هذه الأزمة فرصة كتمرين عملي وواقعي للتدرب على كيفية التعامل ومواجهة الأزمات الكبرى، واستطعنا بفضل الله ومن ثم الملك عبدالله الثاني حفظه الله من اجتياز المرحلة الأولى من الأزمة بسلام، ونسأل الله أن يبعد عنا الوباء والبلاء ويحفظ وطننا وقائدنا وشعبنا من كل شر ومكروه وان نجتاز المرحلة الثانية من هذه الجائحة بأقصر وقت وبأقل الخسائر البشرية والاقتصادية، ومطلوب منا كمجتمع ان نتوحد بلحمة إجتماعية وان ننصاع للارشادات الحكومية والصحية وأن نبتعد عن الإشاعات السلبية ليبقى وطننا صامدا قويا كالطود الشامخ.