كتب: د. محمد كامل القرعان
لا يُمكن قراءة كتاب التكليف الملكي السامي للدكتور بشر خصاونة والذي عهد اليه بتشكيل حكومة جديدة خلفا للحكومة السابقة، دون الرجوع إلى مضامين الكتب الملكية للحكومات الاردنية المتعاقبة السابقة، وأن هناك خيطا رابطا ومضمونا جامعا بين ظهرانيها، وبالتالي فإن أي قراءة لا تأخذ بعين الاعتبار التكاليف السابقة للحكومات تبقى قراءة ناقصة وتزيغ عن الصواب.
لذلك، فإن كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور بشر خصاونة لم يخرج عن هذه القاعدة، سواء من حيث قوة مضامينه أو الأسلوب السهل الممتنع او التوجيه وفي صياغة مضمونه وفي التشخيص العميق للوضع الحالي في ظل جائحة كورونا وتداعياتها المحلية والدولية ومع طرح ترتيبات وحلول إستراتيجية للخروج من مرحلة مازجت بين إنجازات مهمة وتحديات فرضتها ظروف خارجية طارئة وازمات استثنائية خلال عقدين من الزمن؛ مع التأكيد؛ ما زال هناك الكثير من العمل يجب إنجازه حتى تستفيد جميع فئات الشعب الاردني.
عندما نقرأ كتاب التكليف، فإننا نستحضر بشكل عفوي أخرى حملت معها (ثَورات هادئة) في مجالات تطوير الإدارة والدبلوماسية المتقدمة والصحة والتعليم والنقل والتكنولوجيا والشباب والتطوير المهني والوضع المعيشي للناس والاستثمار والانتخابات البرلمانية واللامركزية وغيرها من المجالات التي تهدف إلى تحسين حياة المواطن وتجويد الخدمات العامة، وتسعى إلى تحقيق مقومات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما نقرأ في كتب التكاليف الملكية للحكومات المتجددة والمتواصلة، تأكيدا على أن هذه "الرؤي " التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني يجب أن تتم بشكل تشاركي يضمن انخراط جميع القوى الوطنية.
إن كتاب التكليف السامي الجديد هو البوابة الكبيرة لمرحلة جديدة، وهو عنوان لعقد اجتماعي جديد يشارك فيه كل مؤسسات الدولة وأبناء هذا الوطن الكبير، لذلك فإن التكليف حرص على تحديد العمل الجبار الذي ينتظر الحكَومة في مهمة ثُلاثية: تقويمية للوضع الحالي وما تركته اثار وباء كورونا على الاقتصاد الوطني ومهمة استباقية لأي طارئ واستشرافية للمستقبل لاخذ كل اشكال التجديد والتغيير والاستجابة السريعة، مع اقتراح آليات التنفيذ والمتابعة، ما تجعل الاردنيين ينخرطون بشكل جماعي في إنجاح كل المشاريع والبرامج الحكومية.
لقد جاء في أكثر من كتاب تكليف ملكي أن تشريح وتشخيص الواقع الحالي بكل معطياته وتفاصيله وتحدياته بكل جرأة وموضوعية، ليس نقدا هداما وجدليا، ولا يدخل في خانة جلد الذات؛ لكنه نقد بناء معطاء ومرفوق دائما بالاقتراحات والحلول الاستراتيجية، وهو ما لمسناه في تكليف اليوم للدكتور بشر خصاونة بإثارته لإشكاليات واقعية تمس الحياة العامة للناس باعتبارها أكثر الأماكن معاناة واحتياجا للمزيد من الاهتمام واستيعابها في معدلات التصخم وتسريع وتيرة الخدمات الاجتماعية ودعم الشباب ومحاربة الفقر والبطالة، واستغلال الفرص المنتجة للدخل وفرص تنشيط قطاع السياحة وكسر ظهر الفساد وتحويل المعيقات الى فرص للتحسين والتمكين للادارات الحكومية ورفدها بالطاقات الشابة المؤهلة ودعم قطاعات الصناعة والتجارة.
ويرسخ كتاب التكليف السامي تأكيد جلالة الملك على عنصر التطوير للادارة الحكومية، وتوفير كفاءات وطنية في المجالات كافة ومواكبة التطورات العالمية والرقمية والذكاء الصناعي والطاقة.
وفي كل كتاب تكليف لحكومة جديدة او خطاب ملكي نتعلم حكماً، وكل كتاب تكليف جديد هو خارطة طريق لعمل الحكومة ولبنة جديدة تضاف لسابقاتها ولبناء وطن عصري يتمتع بكل الامكانيات والقدرات لتحقيق عيش كريم للمواطن، وفي وطن لا يعرف سوى الانجاز، وابرز ما جاء في الكتاب السامي للحكومة المكلفة ثورة بليغة وعميقة عنوانها العمل والانجاز، ودعوة للمؤسسات الحكومية وقطاعها العام والقطاع الخاص وجميع القوى الوطنية والاحزاب بميلاد نموذج نهضة تنموية جديدة تمنح الامل للجميع، والاهتمام المهني للشباب وتعليمهم وتمكينهم وتدريبهم هو من يضمن خلق كفاءات تبني هذا الوطن، وتضمن فرص العيش الكريم، والعمل على تصحيح الاختلالات الإدارية، وإيجاد الكفاءات المؤهلة هو من سيرفع التحديات الجديدة، والدفع بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
ونقف هنا على العديد من الكتب السابقة، حيث شدد جلالة الملك على محاربة كل مظاهر الفساد ومحاربة المحسوبية والواسطة والجغرافية. وهي بمثابة دعوة إلى العمل والنظر للامام ؛ لأن المسؤولية مشتركة، ولا وقت للتردد أو الأخطاء، بل يجب الاستفادة منها واتخاذها دروسا وعبر وخطط لتقويم الاختلالات والاخفاقات وتصحيح المسار.