منذ أن ترسخت في الأردن سلوكاً معيباً خلال السنوات الماضية, عادة استقبال كل قادم جديد إلى المواقع الهامة في الدولة بالكثير من التطاول الذي غالباً ما يمس كرامته الشخصية, مما صار يشكل حالة ارهاب فكري, أخذ بسببها الكثيرون من أصحاب الكفاية والقدرة يحجمون عن تولي الموقع العام حماية لكراماتهم, وبذلك يفقد الأردن الكثير من أصحاب القدرات القادرين على خدمته والمساهمة في تطويره.
مناسبة هذا الحديث سيل الانتقادات التي أخذ الكثير منها طابع الشتائم, التي غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي, فور الإعلان عن تشكيلة مجلس الأعيان, التي ضمت كوكبة من رجالات الأردن ونسائه, كثيرون منهم معروفون للعامة بسبب مواقعهم السابقة, وبعضهم معروفون في مجالات اختصاصهم وهو أمر لا يعيبهم, فأهل الاختصاص غالباً ما يعملون ويبدعون بعيداً عن العيون, فلا يُعروفون إلا في الدوائر المختصة, ومن ثم لايجوز التعامل معهم على أنهم نكرات, كما يفعل في بلدنا أبطال العوالم الأفتراضية, الذين امتهنوا الإساءة للناس عبر شاشات مواقع التواصل الاجتماعي, التي صارت مصدر تهديد للنسيج الاجتماعي واستقراره, مثلما صارت مصدر تهديد للاستثمار, وقبلهما للاستقرار السياسي, مما صار لابد معه من التصدي له عبر حزمة من التشريعات الرادعة.
لقد قرأت كثيراً مما كتب حول تشكيلة مجلس الأعيان, وقد كنت اتمنى أن يمارس من كتبوا عملية نقد بناء لأداء أعضاء المجلس في مواقعهم السابقة, على أن يكون هذا النقد مبنياً على معرفة ومتابعة, لكن ماكتب يدخل في خانة العيب ويثير الغثيان, لأن جزءً منه انتقد تقدم سن بعض الأعضاء وكأن التقدم بالسن "سبة" أو سبب لاعتزال العطاء, وقد فات هؤلاء أن التجربة والحكمة والمعرفة تنضج مع تقدم السن, وهو التقدم الذي لم يشكل يوماً سبباً لتنحي الناس عن العطاء, ففي الولايات المتحدة الأمريكية هاهو السناتور جو بايدن ينافس على رئاسة البلاد, وهو على مشارف الثمانين من عمره, وقبله ترأس بوش الأب وريغان الولايات المتحدة وكل منهما في العقد السابع من عمره, ومازالت ملكة بريطانيا تقود البلاد وهي في العقد التاسع من عمرها, وهاهي المستشارة الألمانية مريكل تخطو نحو السبعين من عمرها دون ان يشكل ذلك منقصة لها.