مدار الساعة - نادين النمري - مساء أمس الجمعة تفاجئت عائلة “عثمان”* بفرق الدفاع المدني تطلب منها تحضير احتياجات ابنها تمهيدا لحجره في منطقة العزل في البحر الميت، بعد أن كان قد امضى اربعة أيام على ثبوت اصابته بفيروس كورونا واقامته في العزل المنزلي.
منذ ثبوت الاصابة طلبت العائلة من فرق التقصي الوبائي عدم فصل الطفل عنه أسرته ونزعه من بيئته خصوصا أنه لم يتجاوز سن 11 كما لم يظهر عليه أي أعراض لكن “التقصي الوبائي” أصر على أن هذا الاجراء هو الاجراء الوحيد ضمن البروتوكول الذي يتم التعامل به حاليا، حتى وان كانت الاسرة قادرة على توفير شروط العزل المنزلي”.
تقول والدة عثمان “اول ما ثبتت الاصابة عزلنا حالنا، عملنا الفحص والحمدلله لم يصب احد من العائلة، أخبرنا الجيران تم تعقيم العمارة وعزلها، كنا عايشين بتوتر كل يوم رح ياخذوه، اتصلوا معنا الجمعة الساعة السادسة مساء قالوا ربع ساعة وبنيجي ناخذه، وصلوا الساعة 11 بالليل”.
تحدثت الام بمرارة عن حالة التوتر، الخوف والقلق التي اصابت ابنها، “الدفاع المدني عملوا شغلهم، بس مجرد انه ابني شافهم بالزي الرسمي اعتقد انهم شرطة جايين ياخذوه، طلع بالباص مع والده كمرافق، وصل الى منطقة العزل الساعة الخامسة فجرا بعد أن قام الباص بجمع باقي المصابين”.
لم تتمكن أم عثمان من مرافقة طفلها كونه يتوجب عليها رعاية أطفالها الأخرين، اختارت الاسرة أن يذهب الأب مع ابنه في رحلة العزل، تقول الأم “زوجي ليس مصابا، لكن بقاءه في باص به مصابين لمدة 6 ساعات كفيل بجعله عرضه للاصابة”.
عند وصول منطقة العزل تم تخصيص كرفان للطفل منفصل عن كرفان والده، ذلك الامر زاد من حدة التوتر لدى الطفل، الذي تحاول والدته عبر اتصالاتها المستمرة معه التهدئة من روعة وتشجيعه على النوم الذي افتقده منذ صعوده الى باص العزل.
وتقول الام “قررت وزارة التربية والتعليم العودة الى التعليم المباشر، لكن الحكومة لم تضع اي استراتيجيات خاصة بعزل الاطفال في حال اصابتهم، الكل معرض للمرض لكن ما يتم اتباعه حاليا مدمر للصحة النفسية والجسدية لاطفالنا”.
لدى أم سند* قصة مشابهة، فبعد اصابة ابنها بعشرة أيام واقامته بالعزل المنزلي قامت فرق الدفاع المدني بأخذه، حاولت العائلة كثيرا ثني فرق التقصي عن ذلك دون فائدة.
تقول الام “كانت حالة ابني جيدة، لا اعراض، حالته النفسية جيدة جدا، لكن حال قدوم الدفاع المدني تراجعت حالته النفسية بشكل كبير سيطر عليه القلق والخوف خصوصا أن مرافقه (والده) يقيم في غرفة منفصلة عنه”.
وتضيف “نحن نقطن في بناية عائلية سكانها 11 فردا، قمنا جميعا بالفحص وتبين عدم وجود اي اصابات لدى أي من سكان البناية”.
وتتابع “أين المنطق أن يتم عزل ابني عزلا مؤسسيا بعد مرور 10 أيام على الاصابة حتى دون أن تظهر عليه أعراض!!!!”.
سامي وهو طفل أخر أصيب بعدوى كوفيد-19 يقيم الطفل مع والده ووالدته فقط، تقول الأم “البيت واسع، قدرت اخصص اله غرفة وحمام وتحقيق كل شروط العزل، واساسا في البيت فقط أنا وابني وزوجي، وعزلنا نفسنا، وابني ما عنده اعراض ليه يطلع ابني من بيته؟”.
تبدي الأم خوفا على صحة ابنها خصوصا أنه انتقائي في تناول الطعام، وتقول “من لما وصل العزل المؤسسي ما قبل ياكل شي”.
هربا من العزل في البحر الميت اختارت منى* أن ادخال ابنها (13 عاما) الى مستشفى خاص، تبلغ تكلفة العزل في المستشفى الخاص للمريض والمرافق 4500 دينار”.
تقول منى “الكلفة عالية جدا لكن بعد ما سمعت عن ظروف العزل في البحر الميت اخترت مستشفى خاص، رغم أن الاعراض على ابني كانت بسيطة جدا وشبيه بالرشح العادي”.
وتبين “لم يصب أي أحد من العائلة أنا أقيم مع ابني في المستشفى، أما ابني الاكبر يقيم مع عاملة المنزل في منزلنا اذ خضعت البناية للعزل، لا أعرف ما الغاية من تشتيت عائلتي بهذا الشكل”.
وتضيف “اجريت الفحص اختيارا فابني لم يكن مخالطا لاحد، ولغاية الان لا نعرف مصدر العدوى أشعر بندم شديد أني قمت بالفحص، لو عزلنا أنفسنا منزليا لما تحملت كل هذه المشقة الجسدية والمالية”.
تتفق جميع العائلات التي التقتها “الغد” على أمر واحد وهو “الندم الشديد لاجراء الفحص”، لتتصدر عبارة “لو عرفنا هيك الاجراءات ما كان فحصنا، عزلنا حالنا بالبيت ولا يصير هيك بولادنا”.
الوزير السابق واستاذ علم الفيروسات والاوبئة الدكتور عزمي محافظة يرى أن اجراءات العزل المؤسسي ليس لها أي داع طبي، وأن الاصل الاكتفاء بالعزل المنزلي لجميع الحالات التي لا تتطلب تدخلا طبيا كالحالات التي تكون باعراض بسيطة أو دون أعراض”.
ويتابع “طبيا لا خطر من أن يكون المصاب في المنزل في حال كانت اصابته طفيفة، المطلوب تطبيق الاحتياطات اللازمة”.
ويضيف “على العكس تماما فإن العزل المؤسسي له كلفة مادية كبيرة على الدولة فضلا عن المشقة والتشتت الذي ستعيشه عائلات المصابين”.
ويوضح “في حالات الاطفال فان الاصابات غالبا ما تكون غير عرضية أو بأعراض بسيطة، بالتالي فان مخاطر العزل المؤسسي أعلى بكثير”.
ويتابع “يتطلب أن يرافق الطفل في العزل المؤسسي أحد من أفراد اسرته، هذا المرافق غالبا يكون غير مصاب لكن انتقاله لمنطقة العزل بدأ من المواصلات حتى وصول الموقع قد تعرضه لمخاطر أكبر للاصابة من المصابين الاخرين، أضف الى ذلك الانعكاس النفسي السلبي على الأطفال نتيجة فصلهم عن أسرهم وانتزاعهم من بيئتهم المعتادين عليها”.
ويزيد “العامل الرئيسي في مواجهة الوباء هو المناعة لدى الشخص المصاب، وكما هو معلوم فإن المناعة تنخفض نتيجة للتوتر، بالتالي فان ذلك سيكون له تبعات سلبية في مواجهة المرض فضلا عن الاثر السلبي على صحتهم النفسية لجهة امكانية اصابتهم بالاكتئاب والقلق والخوف وغيرها.
ويزيد “طالما اعلنت وزارة الصحة ولجنة الاوبئة قبولها لفكرة العزل المنزلي لا ارى ما هو المانع من تطبيق ذلك باسرع وقت ممكن”.
وأوصت لجنة الأوبئة بالسماح بعزل الأشخاص دون سن 15 عاما، الذي يثبت إصابتهم بفيروس كورونا، مع أمهاتهم في منازلهم، على أن يكون ذلك حسب رغبة الأهل، بدلا من نقلهم إلى أماكن العزل المخصصة في البحر الميت، أو غيره، بحسب مسؤول ملف كورونا بوزارة الصحة الدكتور عدنان اسحق.
وبحسب ما ذكره اسحق لـ”الغد”، فإن اللجنة أوصت كذلك بالعزل المنزلي للكوادر الصحية في حال ثبوت الإصابة بكورونا.وتنتظر هذه التوصيات إقرارها من الحكومة لغايات تطبيقها.
وكان عضو اللجنة الوطنية للأوبئة بسام حجاوي، صرح إن اللجنة تدرس التوصية بعزل المصابين بفيروس كورونا المستجد ممن أعمارهم دون 15 عاما منزلياً، وذلك في محاولة “للتخفيف” من أعداد المصابين في المستشفيات و”إعطاء الأولوية لمن يحملون أمراضا أخرى”.
وأوضح الحجاوي : “نفكر في هذه الفئة من الأطفال في العزل المنزلي الذين هم 15 سنة وما دون. لا تستطيع عزل هذه الفئة في المستشفى وتحت إجراءات لوحده لأن ذلك سيؤثر على نفسيته والالتزام سيكون ضعيفا”.
* تم تغيير أسماء الاشخاص بناء على طلب أصحابها.