الشيخ الدكتور صالح: سيبقى سماحته نبراساَ وعنواناً للإسلام الوسطي الذي يبني ولا يهدم
الغامدي: أمثاله قليلون ممن يجمعون بين ناصية العلم وسماحة الإيمان ويزاوجون بين التبحر في الشرع وحلاوة اللسان
مدار الساعة - عبد الله اليماني - تصادف يوم غد الأحد مرور (40 ) يوما على وفاة عالم جليل من علماء الأردن البارزين والوطن العربي والعالمي فقيدنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام داود العبادي واحد ممن أنجبن الأردنيات الولاَّدات رجال عًظام كانوا وما زالوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، ومن بين هذه الشخصيات الأردنية معالي الدكتور عبد السلام العبادي الذي شغل منصب وزير للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لبضع سنوات في حكومات مختلفة . وتسلم معاليه عدة مراكز مهمات علمية وعامة.
وبعد أن توفي لقي من التكريم ما كان يلقاه وهو على قيد الحياة ونتوقف عن اثنان من ابرز الشخصيات الدينية والإسلامية في السعودية وقد أشادوا بمناقبه الفقيد ووصفته شخصيات سعودية بما يليق به في دار الحق ، وهما فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام الحرم المكي والمستشار بالديوان الملكي ، وأحمد بن محمد ألغامدي مدير العلاقات العامة بمكتب العمل في جده حيث أشادا ب (معالي الدكتور عبد السلام العبادي ) .حيث كتبا عنه قائلين :
د.الشيخ صالح
وقال الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام الحرم المكي والمستشار بالديوان الملكي السعودي أشاد بمناقبه قائلا : إنه الموت، مرحلة من مراحل هذا الوجود، وهو حق لا دافع له؛ فالآجال مضروبة، والأنفاس محدودة، والأيام معدودة، والأعمال مكتوبة، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) . يُقال كل ذلك وقد فقدنا هذه الأيام أخاً الموت أكبر واعظ، قدّره الله على خلقه، فهو حتم لا محيص عنه، ولا مفر منه، من حان أجله وصل إليه ولو كان في بطون الأودية، أو على رؤوس الجبال، أو تحت الماء، أو في جو السماء.. ولو كان في بروج مشيدة، أو حصون محصنة. واستحضار قرب الرحيل وسرعته وانقضاء الحياة من أنفع الأدوية للقلوب؛ فإنه يبعث على انتهاز فرص الخير والمبادرة بالأعمال الصالحات قبل طي الصحف والسجلات.
الغامدي
وقال أحمد بن محمد ألغامدي مدير العلاقات العامة بمكتب العمل بجده : قليلون هم الذين يجمعون بين ناصية العلم وسماحة الإيمان، يزاوجون بين التبحر في الشرع وحلاوة اللسان. أحد هؤلاء هو أستاذي ومعلمي وصديقي ووالدي معالي الدكتور عبد السلام داود العبادي، وزير المقدسات الأردني الأسبق ، وأمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، الذي وافته المنية ، وترك بداخلي جرح لا يندمل، وحزن كبير على فراقه .
د. الشيخ صالح
ويواصل الغامدي سرد علاقته مع د. العبادي : في شهر رجب الماضي، قررت أن أتوج علاقتي المتينة مع معالي الدكتور عبد السلام بحفل تكريم يليق بمكانته، ويترجم حبي الكبير له، واتفقنا على أن يكون ذلك يوم 13 شعبان 1441 هـ ( 6 ابريل 2020) ، وآثر أن يأتي مباركته بزواج ابنتي شيماء، لكن فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19) الذي انتشر بصورة كبيرة في العالم كله، تسبب في تأجيل لقاء انتظرته كثيرًا، وبالفعل تم التواصل والاتفاق على تأجيل الموعد إلى 5 محرم ( 23 أغسطس 2020) . وكنت تواق لهذا الاحتفال، شغوفا بالاستماع إلى أحاديثه المباركة ونصائحه القيمة، والتزود من علمه المديد . وفيما كنت أستعد للاحتفالية المؤجلة، وبعدما جهزت درع التكريم ، ودعوت الكثيرين من أحبابه ومريديه، جاءني خبر وفاته ، يحمل الكثير من الصدمة والألم، حيث انتقاله إلى رحمة الله تعالى قبل اللقاء ب( 15 ) يوماً فقط، وأصبحنا جميعا لا نملك سوى الدعاء له بأن يسكنه فسيح جناته، ويجزيه على كل ما زرعه من حب ومودة في الحياة الدنيا، ويجمعنا به في لقاء لا ينفض في الفردوس الأعلى .
وأشار الشيخ صالح، أقتطفُ منه نماذج فيها من الدلائل على عقلية الرجل، وطول نفسه في البحث، وعمق إدراكه في الفهم. فقد قالوا: إن هذه الرسالة بدون تردد لشيء مهم جديد، وعمل فذ طريف، غاية في القوة، ونهاية في الجودة. وهم الشيخ محمد علي السايس، والشيخ عبد الله محمد عبد النبي، والأستاذ الدكتور صوفي أبو طالب، والشيخ عبد الغني عبد الخالق، فقد قدموا لعميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر تقريراً ، وافياً مستوعباً قلّ نظيره في التقارير التي تقدم عن الرسائل والبحوث.
وأضاف الغامدي : إذا كان الوالد والصديق والحبيب الدكتور عبد السلام رحل عن دنيانا، ستبقى دراساته وأبحاثه وعلومه يتدارسها الجيل الجديد عقود عديدة، وستبقى سماحته نبراساَ وعنواناً للإسلام الوسطي الذي يبني ولا يهدم.
وتابع الشيخ صالح قائلا : لقد أجاد المغفور له في صنع ذلك وأتقن، وأفاد وأحسن، ولقد وُفق صاحبها كل التوفيق في اختيار موضوعها، وإتقان صنعها، وجمع عناصرها، وتكون أجزائها، وترتيب أبوابها، وتحرير مباحثها، وحصر آرائها، وتقرير أدلتها. وكما وُفق في سائر مناقشاته وجميع اختياراته، وصوغ عباراته، فلم يدع مسألة خلافية إلا شرحها، وحرر محل النزاع فيها، وشرح الأقوال المتعلقة بها، وقرر أدلة كل منها، وناقش ما يستحق المناقشة، وقوّى ما يحتاج إلى التقوية، واختار ما ارتضاه عقله، وهداه إليه بحثه. كل ذلك يدل على سعة اطلاعه، وكمال تتبعه واستقرائه، مما يدل على صادق خبرته، وإتقان صنعته. وقد ناقشته اللجنة فوجدته راجح العقل، بيّن الفضل، غزير العلم، حاضر الذهن، دقيق الفهم، واعياً لدقائق كل ما نقله، مدركاً خفايا سائر ما حرره. وقد بذل جهداً فائقاً جباراً في سبيل ما جمعه، وتحرير ما حرره، فقدم بحثاً جليلاً وكتاباً عظيماً وعملاً نبيلاً في سائر نواحيه، مفيداً فوائد جمة، لا توجد في غيره مجتمعة.
ويتحدث ألغامدي عن مسيرة العبادي بقولة : لقد قدم معالي الدكتور عبد السلام دواد العبادي نموذجاً رائعاً للسماحة والإخلاص والتفاني في حياته، حيث تحرر مبكراً من القيود المحلية الضيقة، وتحول إلى باحث علم مسلم وعربي، حيث بدأ مسيرته التعليمية في الأردن التي ينتمي إليها وترعرع في رحابها.
وأضاف الشيخ صالح: هذه الرسالة في أعظم درجات القوة، وأرفع مراتب الامتياز، وإنها جديرة بكل تقدير وإعجاب، وكل إكبار وإعظام. بل قال بعض المناقشين: ( إن الرسالة المعروضة علينا لا أقول من أجود ما أنتجته الجامعة، إنما أقول هي أجود ما أنتجته الجامعة حتى الآن.... الخ ) . حيث يقول مناقش آخر: ( حينما كنت أقرأ الرسالة كان يغمرني إحساس بأن باب الاجتهاد لم يقفل، وأنه قد أعيد فتحه. كنت أحس أنني أقرأ لعالم كبير يتصدى للأمور بشجاعة، وبروية، وبأدلة مقنعة، فهي تدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن مستقبلاً زاهراً ينتظره في حياته العلمية المقبلة إن شاء الله) .
ويضيف الغامدي: أن نبوغه المبكر جعله يتخطى درجات السلم سريعا، منذ بداية عمله في سلك التدريس الجامعي، مرورًا بتعيينه أمينًا عامًا لوزارة الأوقاف، وأمينًا لمؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام، ليشغل في فترة قصيرة منصب وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، ويعود للمنصب مرات عديدة، فضلاً عن عمله أمينًا عامًا للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، ثم رئيسًا للجنة التعاون والتنسيق مع الشعوب الإسلامية، ومجلس أمناء جامعة آل البيت، ثم رئيسًا لها، وأخيرًا أمينًا عامًا لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وأوضح الشيخ صالح : حينما أقتبس هذه العبارات من تقرير لجنة المناقشة لرسالة معالي الأستاذ الدكتور عبد السلام -رحمه الله- فإنما أريد التشديد على أن ما أنتجه بعد ذلك من إنتاج فقهي، وما قدمه من نقاش في أروقة المؤتمرات وحلقات النقاش، إنما هو نتاج هذه العقلية العلمية الفذة -رحمه الله وأحسن إليه.
وقال الغامدي : لقد كان الفقيد ( يرحمه الله) علامة في الشريعة ودروبها، وأصدر عشرات المؤلفات التي أثرت المكتبة الإسلامية، ومنها الملكية في الشريعة الإسلامية، طبيعتها، ووظيفتها، وقيودها؛ دراسة مقارنة بالقوانين والنظم الوضعية، والإيمان بين الآيات القرآنية والحقائق العلمية، والضمان الاجتماعي بين الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية، والفقه الإسلامي والحقوق المعنوية، ودور المؤسسات الدينية في مكافحة المخدرات، ومفهوم التنمية في الإسلام وأهدافها وأطرها، ودراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلامي بداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهته، وغيرها، مما أهله للحصول على العديد من الجوائز والأوسمة.
وأضاف الشيخ صالح : عرفته عالماً حازماً محافظاً على عمله، وحافظاً لوقته، حازماً إدارته، أكاد أقول إنه لا يقبل أنصاف الحلول، وهذا أظنه قد كلفه كثيراً في صحته وإدارته -رحمه الله وأحسن إليه-. وقد كان له الدور الكبير والأثر الظاهر في القيام بأعمال المجمع والإشراف على مناشطه ودوراته، وسعيه لتطويره، والارتقاء به . منوها الشيخ الدكتور صالح أن : أن المرحوم العبادي كان عزيزاً، وزميلاً كريماً، وعالماً فاضلاً، وقامة علمية شامخة. ويتبوأ مركز لأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي؛ وقد وافته المنية، وحلّ بساحته القدر المحتوم صباح يوم ( الاثنين العشرين ) من شهر ذي الحجة عام 1441هـ، الذي يوافق العاشر من شهر أغسطس عام( 2020) م، في مدينة جدة. وموت العلماء مصيبة، وفقدهم رزية؛ فهم مصابيح الدجى، وأعلام الهدى.
وأحسب أنه محمود السيرة، حسن السريرة. وقد حلّ هذا المصاب بنا فشغلنا، ونزل علينا هذا القضاء فأذهلنا، وإنه رزء زاد في الأشجان، وابتلاء أورث الأحزان، ولكن نحمد الله أن جعلنا مسلمين، نتأسى بتوجيه سيدنا محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام ونقول: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراق أخينا عبد السلام لمحزونون، رحمه الله رحمةً واسعة، وأسكنه فسيح جناته. وقد صُلي عليه في مكة المكرمة، ودُفن في مقابر المعلاة هناك -رحمه الله.
ويختتم الشيخ صالح مرثاته عن د.عبد السلام قائلا : رحم الله الأستاذ معالي الدكتور عبد السلام، وغفر له، وأسبغ عليه شآبيب رحمته، وأصلح عقبه وذريته، واخلفنا خيراً. وكيف أمحوك من أوراق ذاكرتي وأنت في القلب مثل النقش في الحجر. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
ويقول الغامدي : إذا كان الوالد والصديق والحبيب الدكتور عبد السلام العبادي رحل عن دنيانا، ستبقى دراساته وأبحاثه وعلومه يتدارسها الجيل الجديد عقود عديدة، وستبقى سماحته نبراساَ وعنواناً للإسلام الوسطي الذي يبني ولا يهدم . وجزاه الله خيرًا عن جهوده العلمية والتربوية والدعوية بالمغفرة والرحمة والرضوان، وأخلف للأمة العربية والإسلامية وطلبة العلم فيهما، علماء مخلصين يحفظون علوم الشريعة ويرفعون لواءها.
وحلم آخر وزير أوقاف تحقق ألا وهو المغفور له بإذن الله معالي الدكتور عبد السلام العبادي سعى بكل عزم وإصرار إنشاء صندوق الحج ورأى النور وبات حلقة وصل واتصال مع المواطنين. وبعد وفاته وحتى يومنا الحالي يتولى معالي الدكتور عبد السلام العبادي رئاسة هيئة الرقابة الشرعية لصندوق الحج . وبرحيل العبادي فقد الأردن احد رجالاته الأوفياء وابرز علمائه الأجلاء.
وكان إنشاء ( صندوق الحج ) من أهم المشاريع التي تطلع لإقامتها المغفور له بإذن الله معالي وزير الأوقاف الأسبق الأستاذ الدكتور ( عبد السلام العبادي ) الذي سعى جاهدا وبكل عزم وإصرار على إنشائه وبات حلقة وصل واتصال مع المواطنين.
رحم الله معالي الدكتور عبد السلام داود العبادي، وجزاه خيرًا عن جهوده العلمية والتربوية والدعوية بالمغفرة والرحمة والرضوان، وأخلف للأمة العربية والإسلامية وطلبة العلم فيهما، علماء مخلصين يحفظون علوم الشريعة ويرفعون لواءها.
وهذه وقفات مع المسيرة العلمية والإدارية الحافلة للمغفور له بإذن الله تعالى معالي وزير الأوقاف الأسبق الأستاذ الدكتور ( عبد السلام داوود العبادي ) ، رحمه الله.
وهذه مقتطفات من مسيرته المباركة
الوقفة الأولى :
نشأته ووظائفه