مدار الساعة - اختتم تحت الرعاية الكريمة من صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم مؤتمر ( الاسلام والتحديات المعاصرة في ظلال رسالة عمان ) في عمان في ( 30 رجب - 2 شعبان 1438هـ ) الموافق ( 27-29 أبريل / نيسان 2017 ) بحضور مشاركين اردنيين واندونيسيين وعرب ومن دول شقيقة وصديقة ، وعُرض في جلسات المؤتمر على مدى الأيام الثلاثة أكثر من 35 بحثا وورقة عمل ، وقد انعقد المؤتمر في حقبة مأزومة من تاريخ المسلمين والعرب ازدادت فيها التحديات ، وتوزعت بين الاحتلال وضرب الهوية والتاريخ والذاكرة ، وبين الاقتتال وما يخلفه من قتل واستباحة للحرمات ، يضاف الى ذلك الدمار والتخريب والتهجير والنزوح، ويأتي مع ذلك تصاعد حالات الارهاب والتكفير، ولعل لذلك عوامل خارجية وداخلية ، يندرج في طليعتها الجهل بأحكام الاسلام ، وحالات من الفكر السطحي الذي أحدث خلطاً في المفاهيم وتشويها للفهم لغة واصطلاحا .
وقد تصدت البحوث والاوراق المقدمة الى هذه المؤتمر للحديث الموسع عن هذه التحديات ، وقد تناولت مسائل الارهاب ، وقضايا المرأة المعاصرة ، والعولمة والاسلاموفوبيا والخطاب والاعلامي الاسلامي واعداد الدعاة ومواجهة الطائفية الحاقدة ، وموضوع التنمية الشاملة لمعالجة الفقر والبطالة ، وتناولت الابحاث تحدي الاحتلال والاضطهاد الذي يترك تهديدات وآثاراً قاتلة على المسلمين وغير المسلمين ، وبشكل خاص الاحتلال الصهيوني وما يقوم به من جرائم عنصرية وأعمال تهويدية للمقدسات تهدف للمساس بالمسجد الاقصى المبارك.
واكد البيان على ان رسالة عمان الصادرة بتاريخ 26 رمضان 1425هـ ، الموافق 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2004 م ) قد حوت تأصيلا وبيانا يعرض بكلمات موجزة وواضحة ما جاء في جوهر الاسلام الحنيف من الأمر بتكريم الانسان المستخلف في الارض ، وان الرحمة التي في رأس قائمة ركائز الاسلام تشريعا ودعوة ، بقوله ه تعالى ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) سورة الانبياء ، الآية 107 ، وان تنوع الشعوب والأمم أصل ، وتستقيم علاقاتهم جميعا باعتماد القاعدة القرانية ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) ، وان المسلمين هم أمة الوسطية لقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) سورة البقرة ، الآية 143 .
واكد البيان الختامي على انه يحتاج أمر التحديات المعاصرة للاسلام والمسلمين الى اعتماد خطاب اسلامي يلتزم الاصل والضوابط الشرعية ويواكب العصر في اساليبه ووسائله المعتمدة لنشر الوسطية والرحمة والاعتدال والسماحة في التعامل مع المسلمين وغير المسلمين ، وبالمقابل بيان الموقف المستند الى جوهر الاسلام وشريعته الرافض للغلو والتطرف ، وللارهاب ، والعمل الجاد قولا وفعلا على رفض الارهاب ومواجهته ، لانه يتعارض مع الاسلام ويخالفه ، وهذا يتطلب جهودا من العلماء تصوب المفاهيم وترشد الخطاب ، وتعمل من أجل تنشئة أجيال الأمة ، على منهج الوسطية ، ومقصد الرحمة ، والعمل على تحقيق مقاصد الشريعة في حفظ النفس والعقل للناس جميعا ، ومعهما العرض والمال ، والتزام الاسلوب القرآني في العمل الدعوي ، وهو منطوق الآية الكريمة : ( ادعً الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ) سورة النحل ، الآية 125 وقوله سبحانه (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين . انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون )سورة الممتحنة : الاية 8و9 .
وهو ما نصت عليه رسالة عمان بوضوح بقولها: ( والأمل معقود على علماء الأمة أن ينيروا بحقيقة الاسلام وقيمه العظيمة عقول اجيالنا الشابة ، زينة حاضرنا وعدة مستقبلنا ، بحيث تجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعية ) .
كما اكد على حفظ الأسرة بكل مكوناتها لا سيما المراة التي تصنع الشخصية السوية ، ولا يمكن للمرأة أداء دورها ما لم تحفظ حقوقها غير منقوصة ، وتصان كرامتها ، وتتكافأ امامها فرص التحصيل العلمي والمعرفي ، وفرص العمل ضمن الضوابط التي تصون مكانتها أماً وزوجة وأختا وبنتا وتأمين الفضاءات المساعدة لها في التربية واعداد الجيل ، وكل ذلك محتاج لتجديد المفاهيم من خلال المبادئ والمقاصد الشرعية ، ووفق المعايير الاسلامية .
وشدد على اعطاء اولوية لتكوين الشخصية السوية من خلال التربية والاعلام والمدرسة والمسجد والاجتماع البشري عامة ، وهذا محتاج للمفاهيم التعليمية وللمقررات الدراسية التي تستجيب لهذا الهدف ، ومعها المعلم المربي الذي يشكل النموذج والقدوة لطلابه ولا يكون هذا المعلم كذلك مالم يعط المكانة اللائقة والحقوق التي تؤمن له أسباب الحياة الكريمة، وما دعت اليه الورقة النقاشية السابعة لصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله تعالى ، والواقع ان دور الخطاب الديني الرصين هام للغاية في تعامل المعلم مع الشباب وايضا في تعامل الاعلام بوسائله المتعددة معهم . وهذا يتطلب اعداد العلماء القادرين على ذلك والعناية بهم علماً وسلوكاً ، واعداد المناهج والكتب المدرسية التي تحقق ذلك .
وبين ان كل هذه الامور تتحقق في اطار تهيئة اسباب العيش الكريم لكل انسان بالمجتمع بالاضافة الى العناية بحقوقه الاساسية التي حرص الاسلام على المحافظة عليها والتي تشمل حقه في التعليم والاستشفاء والعمل وتكوين الاسرة وغيرها من الحقوق الاساسية .
وشدد على الانتباه الى أن الاعداد السليم للاجيال وفق المنظومة القيمية الاخلاقية والسلوكية المستمدة من نصوص الاسلام تكون معه التنشئة على المواطنة التي تقوم على قبول مكونات الوطن ولو تعددت انتماءاتهم ومشاربهم ومواقفهم ، ومحاربة العصبيات الرديئة التي تنتج العنصرية والتعصب الطائفي ، فالاخلاق مع المواطنة تقدمان للأمة أفرادا مشبعين بالاخلاص وروح العمل ، ورفض كل ولاء للخارج ، والتمييز بين الانفتاح على الآخرين من موقع الندية لا الدونية ، وبين الولاء لغير الدين والوطن وهذا أمر محظور .
وبين انتشر في الغرب والعالم عامة صورة مشوهه عن المسلمين دفعت اليها ما يعرف بالاسلاموفوبيا ، بالاضافة الى العداء التقليدي لهذا الدين العظيم من بعض الجهات التي حاولت تعطيل انتشاره والوقوف في وجه . والواجب على المسلمين ان يعرضوا الاسلام بأبهى صورة من خلال استخدام كل وسائل الاتصال المتاحة ، وعلى العالم أجمع أن يعطى لنفسة الفرصة الكافية للتعرف على الاسلام ، الدين الحق لتصحيح الصورة ، وأن يعلموا أن ما يسبب الاسلاموفوبيا أو الرهاب من الاسلام انما هو مجموعات مشبوهة تقوم بممارسات خاطئة باسم الدين ، بالاضافة للعداء التقليدي من بعض القوى والجهات .
وقال انه من الاهمية بمكان الاهتمام بتحقيق التنمية الشاملة في البنى التحتيه والخدمات وفي الاستثمار بكل صوره من اجل تطوير قطاعات الانتاج الاقتصادية باعتبارها كما نص العلماء فروض كفاية لا بد من تأمينها بالقدر الذي يفي بحاجة الامة مع ضرورة توافر كل ما تتطلبه ضرورات الرعاية الاجتماعية وأبرزها معالجة الفقر والعوز والبطالة كي تتحقق للمواطن أسباب العيش الكريم .
ونوه المؤتمر بجهود الجامعات الاسلامية العالمية في باكستان وماليزيا والاردن والسعودية وبعض الدول الاسلامية ، بالاضافة الى العديد من الجهات الحريصة على التعريف بالاسلام حق التعريف وعلى راسها الازهر الشريف بمصر ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الاسلامي في الاردن ومجامع الفقهية الاسلامية وبخاصة المجمع الفقهي الاسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الاسلامي والمجمع الفقه الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي في السعودية والمنتدى العالمي للوسطية وبعض جهات الفتوى في العديد من الدول العربية والاسلامية وغيرها من الدول بالاضافة الى جهات عديدة اخرى منتشرة في انحاء العالم ،وذلك في نشر مبادئ الاسلام الصحيح والتأكيد على منهج الوسطية والاعتدال والتوازن والاستقامة والتسامح .
و رفع المشاركون في المؤتمر برقية الى مقام صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله تعالى ، ووجهوا الشكر للديوان الملكي العامر ، والحكومة الاردنية رئيساً وعدداً من وزرائها الكرام ولوزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية وعدد من اجهزتها وموظفيها ، وللجهات الداعمة للمؤتمر في المستوى الماسي و الذهبي و الفضي ، حيث كان للجميع ، ومعهم اللجنة التحضيرية برئاسة معالي الاستاذ الدكتور عبدالسلام العبادي وجميع المساهمين في نجاح المؤتمر ، الدور في تحقيق هذا النجاح مما يدفع المشاركين الى الاشادة بكرم الضيافة وحسن التنظيم والرعاية للضيوف وبفضل هذه الرعاية وهذا الدعم وهذه المساندة المتميزة حقق المؤتمر نجاحه المبارك .
واوصى المشاركون في مؤتمر (الاسلام والتحديات المعاصرة في ظلال رسالة عمان) الذي انطلق تحت رعاية كريمة من صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله تعالى في عمان في ( 30 رجب - 2 شعبان 1438هـ ) الموافق ( 27-29 أبريل / نيسان 2017 ) ، إنّ رسالة عمان شكّلت ولا تزال المنطلق للكثير من المواقف الإيجابية وكانت مادة لمؤتمرات وندوات لتصحيح الصورة عن الإسلام، وقد حوت إشارات ومواقف على قدر من الأهمية في هذه المرحلة لمعالجة التطرف والإرهاب،وكثير من الامور التي دعا اليها ديننا العظيم لتنظيم الواقع الانساني بابعاده المتعددة لذا يوصي المؤتمر بالعمل من أجل إدراجها في عداد وثائق القانون الدولي ومواثيقه المقر من هيئة الامم المتحدة ومنظماتها كما سجل المشاركين التقدير للمملكة الأردنية الهاشمية في مسألة رعايتها واعمارها للمقدسات في القدس وفلسطين وبشكل خاص المسجد الاقصى المبارك اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى رسول الله ومعراجه، كما يسجلون كل تقدير للمواقف الداعمة التي تقدمها الدول العربية والاسلامية وكثير من الدول الصديقة وغيرها من القضية الفلسطينية.
كما اوصوا بضرورة ان تقوم الدول والمؤسسات والصناديق العربية والاسلامية بتقديم كل عون ومساعدة متاحة لديها لتضاف إلى ما هو قائم وبخاصة جهود وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية في المملكة الاردنية الهاشمية التي يتصدر عملها الرعاية والوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات فيها، كما يوصون بأهمية اعتبار قضية فلسطين والقدس القضية الكبرى للامة وانها عنوان جامع يستقطب الطاقّات المشتتة والموجهة إلى غير الموقع المناسب, ويذكر المؤتمر بزيارة القدس لما فيها من تاكيد لارتباط المسلمين بالمسجد الاقصى ودعم للمقدسيين وصمودهم والتي كان لمجمع الفقه الإسلامي الدولي موقف واضح فيها حدد فيه ؛ انها وان كانت مشروعة ومحث عليها من حيث الاصل ، لكن تقدير المصالح والمفاسد في حصولها متروك لاولي الامر ليقرروا ما يرونه مناسبا فيها وذلك لما يتعلق بهذه الزيارة من امور .
واكدوا على توجية العناية الكافية إلى الفئات العمرية الشابّة تعليماً وتربية وتدريباً تقنياً، وتسليحها بالمنظومة القيمية الاخلاقية إنقاذاً للشباب من براثن الجهل و الإرهاب والرذائل والبطالة،فتحصين الشباب وتامين مدخلات لكفايتهم في سوق العمل تجعل منهم طاقة انتاجية تقوم على سواعدها التنمية والنهضة تمهيدا للاقلاع الحضاري للامة كي تحتل مكانتها المناسبة في صدارة مواكب الامم ، والتنسيق بين حكمة الشيوخ من الدعاة وهمم الشباب هو العمل المطلوب من اجل جيل ارقى وواعد .
واوصى المشاركون انه وبالرغم من كل ما تمر به دول العالميين العربي والاسلامي من ظروف وتحديات ،ضرورة العمل لايجاد سوق اسلامية وسوق عربية، وافساح مجال لتستفيد كل دولة من التجارب الناجحة التي خاضتها غيرها ، ويصار الى تعزيز التجارة البينية وهذه لها دور مهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والاسلامية وفي التواصل والتفاعل والتعارف ، وذلك من اجل تحقيق التنمية الشاملة التي يجب ان نسعى اليها .
وطالبوا بضرورة العمل على تطوير اساليب الدعوة ووسائلها بما يماشي التقدم التقني المطّرد ، لان الجمود قاتل ، والعالم يتحول تقنيا بسرعة مذهلة فلا بد من الاستفادة من ذلك في اكتساب العلوم والخبرات الكافية من التقنيات والصناعات واللغات ، تمهيدا للانتاج ، كي لا نكون عالة على الامم ، ويلحق بهذا الموضوع موضوع استخدام شبكات الاتصال (مواقع الاتصال الاجتماعي ) وهنا لا بد من رفع درجة الوعي للاستخدام الايجابي ، ووقف عملية الاستغلال المنحرف لهذه الوسائل لنقل الفكر المتطرف، واستقطاب الارهابيين من الجهلة واصحاب الاهواء ، فلا بد من وضع حد لمسألة الغلو السلبي في استخدام التقنيات عامة ووسائل الاتصال خاصة .
واكدوا على اهمية العمل بالقدر الكافي وبالاستعانة بالجهود العالمية لا سيما مؤسسات هيئة الامم المتحدة لتأمين ما هو ضروري من وسائل العيش الكريم لكل من اضطرته الظروف الامنية الى مغادرة بلده من اللاجئين والمهجرين ، ولا يجوز ان يبقى العبء على دول امكاناتها متواضعة ، وهذه الدول تحتاج للدعم والمساندة للقيام بوظيفة الرعاية للنازحين من البلدان كافة ، ويطالب المؤتمر بتخصيص المملكة الاردنية الهاشمية البلد الذي يعقد فيها هذا المؤتمر بالدعم الكافي من الجهات المانحة لتخفيف العبء عن كاهلها .