مدار الساعة - كتب: عبد الله اليماني
آخر ما كتبه المغفور له بإذن الله الوزير السابق الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي، أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي جدة - المملكة العربية السعودية . والذي شارك فيه في (( ندوة فقه الطوارئ في الفقه الإسلامي)) . تحت عنوان (( توصيات معالم ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد ( كوفيد – 19 ) التي عقدتها دائرة الإفتاء ومجلسها الأعلى في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وذلك عن بعد عبر وسائل الاتصال المعروفة (ZOOM). عن بعد عبر الفيديو . وهذا يأتي نظراً لازدياد عدد الإصابات والوفيات نتيجة تفشي جائحة الكورونا ، يوماً بعد يوم . في كلّ أنحاء العالم، وبناءً على انتشار هذا المرض اذ عقد مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، جده . الندوة الطبية الفقهية الثانية لهذا العام بعنوان: ( فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية.
وقال د. عبد السلام العبادي، ما يهمني أن أشير إلى أن هذا الاصطلاح بعنوان فقه الطوارئ يشمل العديد من المسائل الفقهية ، والتي تطلق عليها في الدراسات الشرعية والقانونية عدة مصطلحات أهمها نظرية الظروف الطارئة، وفقه الطوارئ، وفقه الضرورات، وفقه الجوائح، وفقه القوة القاهرة، وفقه النوازل . والواقع إن الأحكام الفقهية المتعلقة بهذا الأمر بحثها الفقهاء تحت واحد من هذه العناوين.
وأشار العبادي إلى أن الشريعة الإسلامية وأحكامها تمتاز بصفات عديدة أهمهما ، رفع الحرج والسماحة والتيسير ودفع المشقة وقلة التكاليف، وإذا وجد ما يصعب فعله ووصل الأمر إلى درجة الضرورة، فقد شرع الله تعالى رخصاً تبيح للمكلفين ما حرم عليهم،وتسقط عنهم ما وجب عليهم فعله حتى تزول الضرورة، وذلك رحمة من الله بعباده وتفضلاً وكرماً، ففي الفقه الإسلامي قواعد فقهية مهمة حاكمة لأوقات الأزمات،من أهمها: قاعدة رفع الحرج والسماحة، والمشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع، والأخذ بالرخص أولى من العزيمة حفظاً للنفوس، ولا ضرر ولا ضرار، والتصرف على الرعية منوط بالمصلحة، وقاعدة للإمام تقييد المباح في حدود اختصاصه مراعاة للمصلحة العامة.
وأضاف العبادي لذلك كان هنالك ضرورة لحماية النفس وصحة الإنسان فيجب على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بقدر المستطاع من الأمراض، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية ، إنقاذ الأرواح والأنفس من الهلاك، وجعلت إنقاذ النفس حقا لكل فرد، بالوقاية من الأمراض والأسقام قبل حدوثها وبالتداوي بعد حدوثها، واللهِ تعالَى لم يضع داءًا إلا وضع له الدواءَ إلا داءً واحدًا الهرَمُ).
وقال العبادي إن الحفاظ على النفس البشرية من مقاصد الشريعة الأساسية والتي تشمل بالإضافة إلى حفظ النفس: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وقال سبحانه وتعالى : ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ) . لذلك كان هنالك ضرورة لحماية النفس ، وصحة الإنسان فيجب على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بقدر المستطاع من الأمراض، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية ، إنقاذ الأرواح والأنفس من الهلاك، وجعلت إنقاذ النفس حقا لكل فرد، بالوقاية من الأمراض والأسقام قبل حدوثها وبالتداوي بعد حدوثها.
وأشار العبادي كما يحق لجهات الاختصاص إلزام الناس بعلاجات معينة، ويحق لها القيام بإسعافات وتدخلات طبية خاصة بالجائحة، ذلك أن ( مما تقتضيه ) عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجل، وأن التداوي ، والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله.
وأضاف العبادي أما بشأن العلاج الطبي، يرفض الإسلام ما يسمى بمناعة القطيع أو الجمهور، والذي يدعو لترك انتشار المرض أولاً والذي سيهلك به الذين يستحقون الهلاك من كبار السن ومن الذين تعددت أمراضهم،لأن في ذلك تقاعس عن المعالجة المطلوبة شرعاً.
وقال: يجوز للدول والحكومات فرض التقييدات على الحرية الفردية بما يحقق المصلحة سواء من حيث منع الدخول إلى المدن والخروج منها، وحظر التجوّل أو الحجر على أحياء محددة، أو المنع من السفر،أو المنع من التعامل بالنقود الورقية والمعدنية وفرض الإجراءات اللازمة للتعامل بها، وتعليق الأعمال والدراسة وإغلاق الأسواق، منوها إنه يتوجب الالتزام بقرارات الدول والحكومات بما يسمى بالتباعد الاجتماعي ، ونحو ذلك مما من شأنه المساعدة على تطويق الفيروس ومنع انتشاره لأن تصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة، عملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة).
وقال العبادي النظافة في الإسلام عبادة وقُربة والأدلة على ذلك كثيرة قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُ (سورة المائدة ).
وبين العبادي انه يتوجب الالتزام بأحكام النظافة الشخصية العامة والاحتياطات الخاصة بهذه الجائحة ( غسل اليدين بالماء والصابون ولبس الكمامات والقفازات) ، والالتزام بالتوجيهات الصحية الصادرة من الجهات المسؤولة ، واجب شرعاً للتوقي من الفيروس، ويجوز استخدام المعقمات المشتملة على الكحول في تعقيم الأيادي وتعقيم الأسطح والمقابض وغيرها، حيث إن ( مادة الكحول غير نجسة شرعا) ، انظر: قرار المجمع رقم 210 (6/ 22) بشأن الاستحالة والاستهلاك في المواد الإضافية في الغذاء والدواء في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في دولة الكويت.
وقال إن عزل المريض المصاب بالفيروس، واجب شرعاً كما هو معروف، وأما بخصوص المشتبه بحمله للفيروس أو ظهرت عليه أعراض المرض،أثناء الحجر المنزلي فيجب عليه التقيد بما يسمى بالتباعد الاجتماعي عن أسرته والمخالطين له من عامة الناس.
وحذر العبادي قائلا : لا يجوز لمن ظهرت عليه أعراض المرض أن يخفي ذلك عن السلطات الطبية المختصة ، وكذلك عن المخالطين له، كما ينبغي على من يعرف مصاباً ، غير آبه بالمرض أن يعلم الجهات الصحية عنه . لأن ذلك يؤدي إلى انتشار هذا المرض واستفحال خطره، وعليه تنفيذ كل ما يصدر عن السلطات الطبية المختصة، وعليها أن تعزر من أصيب بهذا المرض وأخفاه، قال الله تعالي: ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ سورة البقرة، 95) .
وقال النبي صل علية وسلم :(إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ).
وتابع العبادي قائلا : علينا إتباع ما يؤكده الأطباء والمختصون أن التجمعات تؤدى إلى الإصابة بفيروس كورونا ، ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب، والابتعاد عن التجمعات بجميع أشكالها وصورها، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُم ) سورة النساء، 71 ، ويشمل ذلك جواز إغلاق المساجد لصلاة الجمعة والجماعة وصلاة التراويح، وصلاة العيد، وتعليق أداء المسلمين للحج والعمرة، وتعليق الأعمال، وإيقاف وسائل النقل المختلفة، ومنع التجوال، وإغلاق المدارس والجامعات والأخذ بمبدأ التعليم عن بُعد وأماكن التجمع الأخرى، وغيرها من صور الإغلاق.
وأضاف العبادي لا بد عند تعطيل المساجد في الجمع والجماعات من الإبقاء على رفع الأذان لأنه من شعائر الإسلام، ويقول المؤذن في الأذان ( صلوا في رحالكم أو في بيوتكم ) . ويجوز للمسلمين الذين يعيشون في البيت نفسه أن يصلّوا في جماعة إذا رغبوا، ولا يدعى لها الجيران، أما إذا كان من بين الذين يعيشون في البيت نفسه مشتبه بأنه مصاب وقرر عليه الحجر المنزلي انتظاراً للحكم عليه فيجب أن يلتزم بما طلب منه طبياً والذي يمنعه من صلاة الجماعة حرصاً على قاعدة التباعد الاجتماعي، حتى لا يعدي غيره.
وأشار العبادي عند تعطيل المساجد يصلي الناس صلاة الجمعة ظهراً في البيوت بدلاً من صلاة الجمعة، فصلاة الجمعة في البيوت لا تجوز، ولا يسقط فرض الجمعة بها،إضافة إلى ذلك يجوز للسلطات المختصة أن تنظم خطبة وصلاة الجمعة في أحد المساجد بحيث يلتزم فيها بالشروط الصحية الوقائية والفقهية، وتنقل عبر شاشات التلفزة والإنترنت والمذياع لاستفادة الناس من ذلك، ولا بد من التنبيه بأنه لا تجوز صلاة الجمعة والجماعة في البيت خلف الإمام عند النقل بهذه الوسائل لوجود المسافات العازلة بينهم.
وبين العبادي يجوز للعاملين في المجالات الصحية والأمنية ومثيلاتها في هذه الجائحة، الأخذ برخصة الجمع بين الصلوات، جمعَ تقديم أو تأخير، قياساً على السفر بجامع المشقة والحاجة، أو الجمع الصوري لمن لا يصح في مذهبه الجمع بين الصلوات.
وقال العبادي يتوجب على الدول والأفراد مساعدة كل من انقطعت به سبل العيش نتيجة هذه الجائحة قال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ سورة الحديد،7، وقال سبحانه: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ( سورة البقرة، 245) ، وقال جل من قائل: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ سورة البقرة، وقال الله تعالى : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). مسلم وقال: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ).البخاري ومسلم ، أما تعجيل دفع الزكاة عن عام أو أكثر فيجوز وبخاصة في مثل هذه الظروف التي يحث فيها على التبرع، وكذلك يجب أن يحرص المجتمع على القرض الحسن، والمساعدة قدر الإمكان، ويجب مدّ يد العون والمساعدة إلى المحتاجين من الأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء، كما يجب دعم صناديق الزكاة والتكافل الاجتماعي التي أعلن عنها في أكثر من بلد، قال تعالى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ سورة التوبة 32).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي ﷺ إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله ﷺ: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل) ،مسلم وأبو داود والبيهقي وغيرهم ،أما بخصوص زكاة الفطر فهي فرض (قال ابن عمر: "فرض رسول الله زكاة الفطر، وقال: أغنوهم في هذا اليوم) البيهقي والدار قطني، والمراد في أول أيام عيد الفطر، وأما في هذه الجائحة فيجوز إخراجها مع دخول شهر رمضان.
وأضاف العبادي إلى انه يجب تغسيل الموتى وتكفينهم ولو برش الماء فإن تعذّر فالتيمم، فإن تعذّر يسقط وجوب الغسل على أن يقوم بذلك الملتزمون صحياً،فلابد أن يرتدي المغسلون والمغسلات ملابس حافظة، ويجب أن يكون هناك حد أدنى من الناس لغسل الموتى للتقليل من مخاطر انتقالا لفيروس، فلا يجوز إجراء التكفين والدفن إلا تحت إشراف الخبراء المختصين مراعاة لعدم انتقال العدوى مع الالتزام بأي إجراءات يقررونها مثل وضع جثث الموتى في أكياس بلاستيكية محكمة الإغلاق، ثم يصلى عليه. ويمكن لمن شاء من المسلمين أن يصلي عليه صلاة الغائب ولو فرادى في أي مكان متاح، ولا يجوز حرق جثامين المسلمين في أي حال من الأحوال، ولابد من الإسراع في الدفن ذلك لأن التأخر عنه مكروه شرعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: (إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ) البيهقي .
وبين العبادي يجوز غسل موتى الأوبئة بأجهزة التحكم عن بعد، والتي تجمع بين الوفاء بشروط وواجبات وسنن غسل الموتى في الشريعة الإسلامية والاشتراطات الصحية والبيئية المرعية. والدعوة موجهة للمختصين في هذا الشأن من المسلمين للمسارعة،بإنتاج مثل هذه الأجهزة.
وقال العبادي يجب على الحكومات والجهات المعنية تأمين عدد كافٍ من أجهزة التنفس لمعالجة الحالات التي تتطلب استخدام تلك الأجهزة،ويجب على الأطباء الالتزامُ بالمعايير الطبية والأخلاقية، ويقَدّم من يُرجى شفاؤه على من لا يُرجى شفاؤه في توزيع أجهزة التنفس الصناعي عند تعدد المرضى وقلة الأجهزة، ذلك أن العلاج في موضوع الجائحة موكول إلى فريق طبي، أو إلى الطبيب، إن لم يوجد فريق،ويخضع أمر علاج المريض إلى المصلحة والمرجحات الطبية، وفقا لقاعدة: ( التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) . فتصرف الطبيب أيضاً على المرضى منوط بالمصلحة، ولقاعدة ( لا يقدم أحد في التزاحم على الحقوق إلا بمرجّح) فالطبيب عليه أن يجتهد بناء على خبراته ووفقاً لأخلاقيات مهنته، في مرجحات منها: ( اختبار القدرة على الاستفادة بسرعة ) لمعرفة درجة الخطورة بين المرضى، ومن يؤثر عليه الإسعاف إيجاباً أكثر من غيره، ومن هو الأحق بتقديمه للإنعاش، مع مراعاة رغبة المريض، فيقدم الجهاز للمريض بناء على هذه المرجحات، وأما إذا تساووا في مرجحات التقديم عند التزاحم فيقرع بينهم، فلا يقدم صاحب المنزلة الاجتماعية على غيره، ولا يقدم الصغير على الكبير، فكيف يقدم ذو الجاه على غيره، وكيف يقدم الأبناء على الآباء، فكلهم متساوون في الإنسانية، ولذا يرفع الجهاز عن المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وذلك إذا تبين أن حالة المريض تزداد سوءا،أول ميس تجب للجهاز،أو أنه بعد الرفع لن تستمر حياته حياة مستقرة اعتيادية فلا مانع من رفع الجهاز عنه.
وأشار العبادي على الدول والجهات الخيرية القادرة تأمين جميع ما يحتاج إليه الطاقم الطبي من أجهزة وأدوية وذلك عن طريق التصنيع أو غيره، كما أن عليها التبرع بالمعدات والأجهزة الطبية التي تحتاج إليها الدول والمجتمعات في أنحاء العالم لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد البشرية جمعاء.
وقال العبادي في ظل غياب دواء خاص لعلاج المرض، ولقاح خاص للوقاية من الفيروس مبرهن على فاعليتهما وسلامتهما فيجب على الأطباء والعلماء المختصين إذا يسرت لهم الأسباب للقيام بتجارب علمية لإيجاد دواء ولقاح، أن تكون البحوث حسب المناهج والاشتراطات البحثية المعتمدة عالمياً، وأن تكون منضبطة بالضوابط الشرعية الواردة في قرار المجمع رقم 161 (17/10) بشأن الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان في دورته السابعة عشرة التي عقدت في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، ويجب العمل على تأمين كل سبل الدعم المتاحة لهذه المشاريع والحث على التبرع لها.
وبين العبادي إلى انه يتوجب على الدول مراقبة الأسعار بهدف منع الاحتكار ووضع الأسعار المناسبة وذلك لأن التلاعب فيها حرام شرعاً،ويجب وضع الخطط الاقتصادية المناسبة لهذا الوضع لتأمين كل السلع المحتاج إليها، وأن تخزين السلع الضرورية فوق الحاجة لا يجوز لأن في ذلك رفعاً للأسعار كما أنه يؤدي للإسراف المنهي عنه شرعاً.
وأشار العبادي إلى انه يجوز عقد النكاح ، عبر وسائل الاتصال المتعددة عند الحاجة ، ما دام يحتوي على الأركان والشروط اللازمة، وذلك بمعرفة السلطات المعنية، ويجب أن تقتصر حفلات الأعــراس على الأقربين من أهل العروسين، وبأقل عدد ممكن مع مراعاة الأحكام والتوجهات الطبية.
وقال العبادي لذلك كله علينا جميعاً أن نتوجه بالدعاء وطلب الحفظ من الله تعالى من هذه الجائحة وعلى المرضى التوجه إلى الله تعالى بطلب الشفاء والمعافاة لأن الله هو الشافي المعافي وصاحب الأمر كله، وذلك من منطلق الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره قال تعالى مَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ سورة النمل،62، وقال: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) البخاري ومسلم، وقال: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) مسلم . مضيفا إلى أن التعزية مستحبة، وتؤدى بطرق عدة،أثناء الجائحة، فيجوز العزاء عبر وسائل الاتصال المختلفة دون الزيارة الشخصية خشية انتقال الفيروس.
وأكد العبادي على حرمة تناقل الفتاوى المناقضة للفتاوى الصادرة عن هيئات العلماء ودور الإفتاء الشرعية المعتمدة، في هذه الأزمة، لما في ذلك من إثارة للبلبلة في المفاهيم الدينية، وتضارب بالفتوى، وبخاصة استيراد فتاوى من بلدان أخرى قد أفتى بعض الناس فيها بفتاوى مختلفة عن فتاوى أهل البلد، تجنباً لهذا المحظور، وعلى الجميع الالتزام بالفتاوى الصحيحة الصادرة عن الجهات المختصة كل في بلده التي يعيش فيها.
وقال العبادي الواقع إن معظم القوانين الوضعية لم تأخذ بنظرية الظروف القاهرة والحوادث المفاجئة، أما في الشريعة الإسلامية فهذه النظرية أو ما يقابلها موجودة في الاجتهادات الفقهية بكثرة وقد نص في الفقه الإسلامي على عدد من القواعد الفقهية التي يمكن استخدامها في هذا المجال مثل: قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وقاعدة : ( الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، وقاعدة: (الضرر يدفع بقدر الإمكان"، وقاعدة: ( لا ضرر ولا ضِرار)، وقاعدة: (يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، وقاعدة: ( المشقة تجلب التيسير) ، وهذه القواعد الفقهية في إعفاء المتعاقد الذي تقرر هذا الالتزام فيها معتمدة في صياغتها على آيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة.
وبين العبادي إلى أن معنى الطوارئ في اللغة: الطوارئ في اللغة جمع مفرده طارئ.وهو مصدر الفعل الثلاثي طرأ يقال طرأ فلان علينا بمعنى طلع علينا ومعنى حصل هذا بغتة أو فجأة، فمعاني الطوارئ تدور حول الطلوع والحصول بغتة والآتيان بها فجاءه.وأما في الألفاظ الأخرى المستخدمة في هذا المجال. فالنازلة مفرد نوازل فالمراد بها الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس. منوها أن الجائحة في اللغة: الشدة تجتاح المال من سنة أو فتنة، وهي مأخوذة من الجوح بمعنى الاستئصال والهلاك، وعند الفقهاء كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم، كالبرد والحر، والثلج، والمطر، والجراد، والفئران والغبار، والنّار ونحو ذلك. فيشترط في الجائحة أن تكون عامة مفاجئة غير معتادة لا يستطاع دفعها والانفكاك من أثرها. والضرورة تعني في اللغة: كل ما تمس الحاجة إليه. وكل ما ليس منه بد.
وقال العبادي الالتزامات الآجلة في عقود المؤسسات المالية والتمويلية وما نتج عنها من تعثر في سداد الديون. فقد انتهت الندوة إلى أن في ذلك تخفيفاً على المدنيين وتيسراً عليهم لثبوت عجزهم عن الوفاء، ولذلك على الدائنين أن ينظروهم إلى ميسرة قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (سورة البقرة: 280).
وأضاف العبادي أما بخصوص تعجيل وتأخير الزكاة عن الحول فهو جائز لتخيف آثار الجائحة على الناس لما روي عن ابن عباس ) أنه طلب من رسول الله صل علية وسلم التعجيل في صدقته فرخص له بذلك) ، كما أنه يجوز تأخير إخراجه، لأن وجوب الزكاة على التراخي وليس على الفور.
ونوه العبادي إلى ما يختص بعقود المقاولات والتوريدات وما شابهها من العقود المتراخية التنفيذ، قائلا : لقد جاز للمتضرر أن يطلب ذلك بالصلح أو التحكيم أو القضاء، إذا كان تنفيذ الالتزام التعاقدي مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة وتبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، إن اقتضت العدالة ذلك.
وأضاف العبادي واضح إن الحادث لا بد أن يكون استثنائياً وعاماً ولم يكن في الوسع توقعه بمفهوم مرهق للمدين وأن لم يصبح مستحيلا وواضح أن الكلام السابق وارد إذا كان العقد متراخيا. مضيفا في الحقيقة أنه لا فرق في النظر الفقهي بين أن يكون أمام أمر مستحيل نتيجة القوة القاهرة أو أمر يعود لظرف طارئ في الحكم السابق في التزامات العقد. فالحكم بخصوص جائحة كورونا هو المقرر. مشيرا إلى إن الأمر يتطلب قراراً قضائياً بهذا الخصوص يصدر من المحكمة المختصة بناءً على طلب الفريق الخاسر شريطة تعويض الطرف الآخر عن ما يلحق به من الخسارة حسب الحال ووفق ما تقرره المحكمة المختصة.
وقال العبادي الحجوزات المبدئية يمكن اللجوء إلى الصلح من خلال تأجيلا لخدمة وإذا صعب الوفاء بالخدمة فإن الجائحة تؤدي إلى أن يتحلل المستأجر من الحجز وله الحق في استرداد أي عربون وضعه.أما عقود العمل في ظل الجائحة فقوانين الضمان الاجتماعي تعوض عن ما يسمى بالتعطل عن العمل.أما الصرف من حساب الخيرات فلا مانع من ذلك.
ونوه العبادي إلى أن العقود المتراخية التنفيذ فقد ( أصبح مألوفاً وشائعاً في العصر الحديث إبرام عقود لفترة طويلة،يستغرق إنجاز مشاريعها الشهور بل السنين العديدة، كمقاولات الإنشاءات، ويكون تنفيذها له طابع الاستمرار على طول فترة العقد كعقود التغذية لمرفق من المرافق الحكومية، أو الأهلية، وتختل أسعار المواد خلال تلك الفترة بسبب أحداث طارئة؛عالمياً، أو محلياً.
وأشار العبادي إلى انه بالنظر إلى الأضرار التي تلحق بأحد أطراف العقد الذي يتعذر عليه الوفاء بالعقد حسب أسعاره الأولى، ولكثرة حدوث هذا النوع من الأحداث في العصر الحديث أصبح النظر في مثل هذه القضايا ملحاً. مشيرا إلى أن مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ،قد بحث هذه المشكلة. وأصدر بشأنها قراراً يكفل رفعا للضرر عن الطرفين، واعتبار هذا ضرورة لحل النزاع، وتحقيق العدالة، فجعل للقاضي عند التنازع، والطلب من أحد الطرفين تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، بصورة توزع الخسارة على الطرفين المتعاقدين، منعاً للضرر المرهق لأحد العاقدين.