مدار الساعة - قلائل هم الذين ما زالوا شهودا على حريق المسجد الأقصى، في الحادي والعشرين من أغسطس/آب 1969، والشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، هو أحدهم.
يروي الشيخ صبري، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الهيئة الإسلامية العليا بمدينة القدس، لوكالة الأناضول، التفاصيل الدقيقة لصباح ذلك اليوم، قبل 51 عاما والذي وصفه بـ"المشؤوم".
يقول صبري "قبيل الساعة السابعة إلا ربع من صباح يوم الخميس الحادي والعشرين من أغسطس/آب 1969، شاهدنا لهيب النار ينبعث من المسجد الأقصى وفي سماء مدينة القدس".
وأضاف "كنت أسكن في حي واد الجوز، القريب من المسجد، وهرعت، كما خرج جميع الناس رجالا ونساءً وأطفالا وكبار سن، إلى المسجد لإطفاء الحريق... لإطفاء الحقد العدواني ضد الأقصى".
وتابع الشيخ صبري "كان الناس ينقلون التراب في أواني يدوية، وينقلون الماء من البيوت المجاورة للمسجد الأقصى من أجل إطفاء الحريق".
وأشار مستذكرا تلك اللحظات الأليمة "كان الناس يهللون ويكبرون، ولكنهم في ذات الوقت كانوا يبكون حزنا على ما حلّ بمسجدهم".
ولفت الشيخ صبري إلى أن الناس كان يصطفون في صفوف طويلة، أثناء نقل التراب والماء لإطفاء الحريق.
وحتى ذلك الحين، لم تكن سيارات الإطفاء قد وصلت إلى المسجد، من أجل إخماد الحريق.
وقال الشيخ صبري "في الساعة العاشرة صباحا، حاولت سيارات الإطفاء التي قدمت من بلديات الخليل ورام الله وبيت لحم (بالضفة الغربية المحتلة) الوصول إلى القدس، ولكن سلطات الاحتلال عرقلت وصولها لبعض الوقت".
ويستذكر الشيخ صبري أنه "فقط بعد تدخل سيارات الإطفاء تم إخماد الحريق في ساعات العصر".
وكان الحريق قد التهم منبر صلاح الدين، والمحراب، وأجزاء كبيرة من الجهة الشرقية للمسجد.
وتقول المصادر التاريخية، إن الملك نور الدين زنكي، هو من أمر ببناء منبر "صلاح الدين" عام 1168 ليتم وضعه في المسجد الأقصى، بعد أن يحرر مدينة القدس من الصليبيين.
وأمر صلاح الدين الأيوبي، بنقل المنبر إلى المسجد الأقصى، بعد أن حرر القدس في العام 1187.
ويعتبر المنبر قطعة أثرية نادرة، صنعها حرفيون مهرة من دمشق وحلب.
وقال الشيخ صبري "لقد التهم الحريق منبر صلاح الدين ومحراب المسجد والقبة فوق المنبر، وسقف المسجد من الجهة الشرقية، حيث كان السقف عبارة عن خشب ورصاص فكان الحريق سريعا".
وأضاف "المواد التي تم استخدامها في إضرام الحريق شديدة الاشتعال، ولا توجد في الأسواق وإنما تتوفر لدى الدول فقط، وهو ما يؤكد على أن الحريق كان مدبرا".
وتابع "على الفور، عقدت الهيئة الإسلامية العليا اجتماعا، أكدت فيه على تحميل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الحريق".
وأشار الشيخ صبري في هذا الصدد إلى أنه" تأكد أن الذين قاموا بالإحراق هم مجموعة من المجرمين وليس شخص واحد، ولكن الشخص الذي اعتقل في حينه هو مايكل دينيس روهن، الذي قيل إنه أسترالي".
وقال "بعد القبض على هذا الشخص قالت السلطات الإسرائيلية إنه مختل عقليا، وذلك بهدف إغلاق الملف علما بأننا لم نشاهده أبدا".
ويستذكر الشيخ صبري تلك الساعات والأيام، التي أعقبت الحريق.
وقال "كان الوضع حزينا جدا، فلم تقم صلاة الجمعة في اليوم التالي، حرصا على سلامة المصلين".
وأضاف "لاحقا تم وضع ساتر من الطوب لمنع الناس من الوصول إلى منطقة الحريق، وكانت الصلوات تقام خلف منطقة الطوب وبقي الأمر على هذا الحال لفترة من الوقت حتى إتمام عملية التنظيف والشروع في الترميم".
وما تبقى من منبر صلاح الدين، موجود حاليا في متحف خاص داخل المسجد الأقصى.
وبعد إحراق المنبر، كان الخطباء يقفون على الأرض ثم جرى وضع منبر حديدي، إلى أن تم جلب منبر شبيه للمنبر الأصلي في العام 2007.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قد تبرع بكافة تكاليف بناء المنبر، ليكون نسخة طبق الأصل عن منبر صلاح الدين، الذي حرق بالكامل في حريق المسجد الأقصى.
كما نفذت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لدائرة الأوقاف الأردنية، عملية ترميم الجهة الشرقية من المسجد القبلي المسقوف، على مدى سنوات طويلة.
وقال "كان والدي الشيخ سعيد صبري رحمه الله آخر خطيب، يقف على المنبر الأصلي وكنت أنا أول خطيب يقف على المنبر الجديد بعد وضعه بالمسجد عام 2007".
وأضاف "ما بين المنبرين، كان هناك منبر بسيط، مصنوع من الحديد، وله درجتين تم وضعه مكان المنبر الأصلي (بعد حرقه)".
ولكن الاعتداءات على المسجد الأقصى لم تتوقف عند حد إحراق المنبر والواجهة الشرقية للمسجد القبلي المسقوف.
وفي هذا الصدد يقول الشيخ صبري "الحرائق مستمرة بالمسجد الأقصى، ولكنها بأشكال متعددة، منها: الاقتحامات من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة ومنها الحفريات ومنها التضييق على أعمال الترميم بالمسجد والتصريحات الاستفزازية المثيرة لمشاعر المسلمين، ومنها أيضا الإبعادات (عن المسجد) والاعتقالات للمصلين".
والشيخ صبري هو أحد المبعدين عن المسجد الأقصى، منذ مطلع العام الجاري، حيث ينتهي أمر إبعاده نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، دون أن يكون من الواضح ما إذا كان سيتم تمديد الإبعاد مجددا.
ويكمل الشيخ صبري "كلها حرائق خطيرة ،ولذلك فإنه من واجبنا في كل عام أن نستذكر هذا الحريق لنذكر العالم أجمع أن المسجد الأقصى ما زال في دائرة الخطر، في ظل استمرار الأطماع الإسرائيلية بالمسجد".
وحذر في هذا الصدد من أنه "لا تزال أطماع اليهود بتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا قائمة، وأن فكرة التقسيم لا تزال على جدول الأعمال الإسرائيلي".
ولكن الشيخ صبري أكد على أن "المسجد المبارك هو للمسلمين وحدهم بقرار رباني إلهي من الله عزّ وجل، وهو يمثل جزءاً من إيمان ما يقارب ملياري مسلم في العالم".
وقال "لا علاقة لغير المسلمين بهذا المسجد، لا سابقاً ولا لاحقاً، كما لا نقر ولا نعترف بأي حق لليهود فيه".
وكانت "إسرائيل"، التي احتلت القدس عام 1967، قد سمحت أحاديا لمستوطنين إسرائيليين باقتحام المسجد الأقصى منذ العام 2003، دون موافقة دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس.
وتتواصل تصريحات مسؤولين ونواب ونشطاء إسرائيليين عن تقسيم المسجد الأقصى "زمانيا ومكانيا"، بين المسلمين واليهود، وهو ما أشارت إليه أيضا صفقة القرن المزعومة.
الاناضول