أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

حسين الرواشدة يكتب: هذه «الزكاة» مغشوشة ..!

مدار الساعة,مقالات مختارة,دائرة الإفتاء العام,الانتخابات النيابية,الدعاية الانتخابية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

سألني احد الذين قرروا خوض الانتخابات النيابية القادمة: هل يجوز أن أؤجل دفع زكاة أموالي لموعد قريب من بدء الدعاية الانتخابية؟ كنت - بالطبع - أدرك انه يعرف الإجابة، لكنني نصحته بأن يتوجه بالسؤال إلى دائرة الإفتاء العامة او الى احد فقهائنا الذين يثق بهم.

سؤال صاحبنا ذكرني بحادثة طريفة حصلت مع احد النواب في احد المجالس النيابية، فقبل موعد الانتخابات بأسابيع تحرك وسط دائرته الانتخابية بشكل مفاجئ، وتعمد ان يصلي كل فريضة في مسجد ما من مساجد البلدة، وحين تنتهي الصلاة يتوجه فورا الى الإمام ويسأله عن احتياجات المسجد على مسمع من المصلين، ويدفع المطلوب، ولأن الناس هناك - او معظمهم - لا يقبلون بيع أصواتهم بطريقة مباشرة، قرر ان يستعين ببعض الشباب المتدينين، وأقنعهم بأنه يريد ان يدفع زكاة أمواله للفقراء والمحتاجين، فاستجابوا له بحسن نية، واعدوا قوائم بأسماء الأسر العفيفة، وقدموا لها المبالغ التي دفعها المرشح باعتبارها زكاة، وقد وعدهم بان هذه «الزكاة» ستدفع في كل عام في مثل هذا الوقت، وحين حان موعدها في السنة التالية سألوه عن وعده، فأجابهم بان ما لديه من مال لم يبلغ هذا العام النصاب.. وبأنه سيؤجل الدفع إلى العام القادم.. او إلى عام الانتخابات الجديدة.

قصة استخدام المال السياسي في الانتخابات وغيرها ليست جديدة، لكن التغطية عليها بأقنعة دينية، تحتاج الى أكثر من استدراك، فأغلب الذين يتوسلون هذه الطريقة غير المشروعة لا يتذكرون «الدين» بما يحضّ عليه من صدقة وما يفرضه من زكاة وما يدعو اليه من تواصل الا في موعد الانتخابات، وهم - بالتالي - لا يجدون - في مواجهة قواعدهم المتدينة أصلا - الا «باب» الدين لاستقطابهم والتأثير عليهم وكسب اصواتهم، والاستدراك - هنا - يحتاج - اولا - الى فتاوى حاسمة تقرر استخدام المال السياسي، سواء لدفع الزكاة في موعد الانتخابات او لشراء الأصوات، وتحتاج الى تشريعات حازمة تجرّم الدافع والمدفوع له، وتحتاج - ثالثا - الى احتشاد اجتماعي يأخذ شكل «التوقيع» على عهود اجتماعية يتبناها الناس ويتوافقون عليها لتحريم التعامل بهذه الطريقة واعتبار من يمارسها «منبوذا» وخارجا عن التقاليد الاجتماعية.

اقل ما يمكن ان يقال لمن يفكر باستخدام المال السياسي في شراء ذمم الناس وأصواتهم: هذا حرام وعيب، ولكن ماذا لو أضفنا لهذا الاستخدام المغشوش الإساءة لدين الله تعالى والتحايل على فرائضه، وماذا لو أضفنا اليها الضحك على الناس واستغلال حاجاتهم، وممارسة الكذب والوعود غير الصادقة؟

«المال السياسي» لا علاقة له بما ذكرنا من قيم دينية او اجتماعية.. وأصحابه - بالطبع - لن تهزهم هذه الاعتبارات والنصائح والفتاوى، لكن يهزهم - فقط - شيوع ثقافة الرفض والإدانة والامتناع لدى الناس.. وحسبنا ان نبدأ من هنا، فالدين بمقاصده، وفرائضه، أسمى من ان يوظف بهذه المسارب المغشوشة، وأصوات الناس «أغلى» من أن تشترى «بزكاة» غير مشروعة، «لن ينال الله دماؤها ولحومها ولكن يناله التقوى» والمال السياسي لا يعرف التقوى إطلاقا.

الدستور

مدار الساعة ـ