ها قد عدنا إلى المربع الأول لملف قضية كورونا، بل أن هذا المربع إتسع أكبر من دائرة قطرها محافظة، فالإصابات في بداية ضرب الفيروس للمصابين الأوائل كان أخف وطأة مما يحدث اليوم نتيجة الإستهتار رغم معرفتنا بالخطر، ومع موجة الخوف التي ساعدت على رفع مستوى الإحتياطات الشعبية من نظافة وتباعد، والإجراءات الضابطة من قبل السلطات في البداية حققنا بالنتيجة الأولية نتائج عظيمة في كبح جماح الإنتشار الفيروسي، ولكن كالعادة تذهب الفكرة وتأتي السكرة، فننسى أو نتغابى لنفتح بابا جديدا للخطر تحت مبررات لا يمكن القبول بها.
من يتحمل ذنب عودة العدوى متسللا من بوابات الحدود البرية، ففي معبر جابر الذي كان موضوع نقاشنا سابقا تحت البند السياسي، كان هناك من يعبرون منه دون اتخاذ أي من الإجراءات الوقائية، ونحن نظن أنه تحت رقابة ومنع حركة بناء على الأوضاع الأمنية والقوانين الدولية التي قيدت التعاطي مع الجانب السوري، ولكن مسألة حركة العبور من منشأ لبناني ومن إتجاه سوري نحو الخليج عبر حدود العمري كانت نقطة ضعف قاتلة تمت الاستهانة بها، حتى انتشرت العدوى بين موظفي الحدود دون علم.
بالطبع يشكل مفهوم السيطرة على الأوبئة المتنقلة ضرباً من العبث، ولكن على الأقل كان يجب على وزارة النقل وهيئة تنظيم النقل ومن ورائهن وزارة الصحة الإنتباه جيدا الى فرضية تسلل العدوى من الجانب الشمالي لأن الفيروس منتشر كثيرا في الجانب السوري مع عجز السلطات هناك عن حصر الأعداد أو حتى الاهتمام بها تحت الظروف التي يعيشها البلد، وكان على الحكومة أن تلزم موظف الحدود بالدوام لإسبوعين وإجازة بمثلها مع الفحص اليومي للجميع، وهذا كمثال احتياطي، بل أن هناك من كان يتحدث عن إصابات في وقت مبكر ولم يلق لها بال.
هنا يتحمل الشعب المعزول أكان في لواء الرمثا أو أي منطقة وبناية في مكان كالعاصمة والمدن الأخرى ذنباً ليس لهم جريرة به، وعقوبة لم يتوقعوها بسبب جهل أو استهتار أحدهم وتقاعس رسمي عن ضبط الملاذات الموبوءة، وهذه ليست مسؤوليتهم بل مسؤولية من يشعل النار في الغابة ليتدفأ فيحرق الغابة ومن فيها.
في بداية الأزمة طرحت ضمن العصف الفكري للخروج بمقترحات تضبط الوضع الصحي، ومن ضمنها جاء قرار النيابات العامة معاقبة من ينقل العدوى نتيجة التعمد أو الاستهتار، ولكن لم يحدث أن ضبط أحد، نتيجة الإلتزام كما يبدو، ولكن اليوم يجب محاسبة الفوج الأول من ناقلي العدوى عبر الحدود الشرقية والشمالية،فما ذنب أهلنا في الرمثا سوى أن الإجراءات جاءت لصالح حمايتهم وحماية الوطن بأكمله من عقليات متخلفة تظن أن إخفاء إصابتهم جزء من الهيبة الشخصية،فورطوا الشعب الآمن.
في أمس ذكرت في مقالتي عما يخشاه الجمهور من اشاعات التغيير الموهوم على الأردن دون مبرر، ولكن يبدو أن الأردن ككيان صامد كالطود، ولكن التغيير بدأ متسارعاً في عقلياتنا الاجتماعية للوراء، حيث ضربنا كل إنجاز صحي نفاخر به عرض الحائط لأن هناك من يناطح الجدار بقرون من طين، أنحن مستعدون لعودة الحظر الشامل كي نلفظ ما تبقى لنا من أنفاس، إتقوا الله يا جماعة.
الراي