لقد فضَّل الله السنين على بعضها البعض وكانت سنين الرسول أفضل السنين وبعد ذلك سنين الصحابة والخلفاء الراشدين وهكذا تنازلياً بالأفضلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ الناس قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونَهُم، ثمَّ يجيءُ أقوامٌ تَسْبِقُ شَهَادةُ أَحَدِهم يَمينَه، وَيَمينُه شَهَادتَه، وفضل الشهور على بعضها البعض وكان شهر رمضان أفضلها خلال كل عام.
وفضل أيام الأسبوع بعضها على بعض وكان يوم الجمعة أفضلها ولكن فضَّل الله يوم عرفة عن كل أيام السنه في كل عام (بعض الناس يقولون وما حال ليلة القدر؟ فنقول لهم أولاً: هي ليلة وليست يوم والله بعظمته وجلاله ينزل من عرشه إلى السماء الدنيا في طيلة يوم عرفة).
سُمِيَ يوم عرفة أولاً نسبة إلى جبل عرفة الذي يقف عليه الناس في الحج، وجبل عرفة هو جبلٌ يقع شرقي مكة المكرمة على الطريق بينها وبين الطائف على بعد 22 كم.
واختلفت الروايات حول تسمية هذا الجبل بهذا الاسم فإحدى هذه الروايات تقول: بأنّ آدم عليه السلام التقى بزوجه في هذا المكان بعد خروجهما من الجنة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (البقرة: 35 و 36))، ولهذا سُمِيَ بجبل عرفة.
ويوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وهو أحد الأيام التي أقسم بها رب العالمين وهي العشرة من ذي الحجة (وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْر ،وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْر(الفجر: 1-4)).
وفي هذا اليوم يؤدي الحجاج أهمّ أركان الحج وهو الوقوف بعرفة، ووقت الوقوف بعرفة ممتدٌ من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر اليوم الثاني وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وعلى هذا الجبل نزلت الآية التي قرأها الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع على هذا الجبل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(المائدة:3)) وقد ورد في شأن هذه الآية أنّ رجلاً من اليهود قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في دينكم آية لو نزلت علينا لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيداً.
ولا يكمل الحج لمن لم يؤدي هذا الركن المهم من أركان الحج وهو الوقوف بعرفه ويعرف بيوم الحج الأكبر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجُّ عرفةُ، حديث صحيح.
وينبغي على كلَّ مسلم صيام يوم عرفة فصيامه يرفع من درجات العبد، ويزيد حسناته، ويُكفر سيئاته، وبيّن رسولنا الكريم فضل صيامه حيث قال: صيامُ يومِ عَرَفةَ، أحتسِبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السَّنَة التي قَبْلَه، والسَّنةَ التي بَعْدَه.
ففيه يغفر الله ذنوب عباده، ويعتقهم من النار، ويُشار إلى أنَّ يوم عرفة أعظم أيام العشر من شهر ذي الحجة فضلاً ومثوبةً والتي كما ذكرنا أن الله أقسم بها، كما أنَّ هذا اليوم هو أفضل الأيام عند الله سبحانه وتعالى، إذ يقول رسولنا الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم: ما من يومٍ أكثرَ من أن يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبدًا من النارِ، من يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليدنو(الله من عباده) ثم يُباهي بهم الملائكةُ.
ومن الأعمال المستحبة في هذا اليوم التكبير والصيام والتقرب إلى الله بالعبادات وأهمها الدعاء لأنه يوم دعاء (وهو اليوم الوحيد في جميع أيام السنة الذي ينزل فيه الله على الأرض طيلة هذا اليوم ويكون قريباً جدا من عباده وليس كباقي الأيام ينزل الله فيها في الثلث الآخير منها) فأدعو الله من قلب موقن بالإجابة وفي هذا اليوم لا يُرَدُ الدعاء إذا إستوفت شروطه وهي الإستجابة لأوامر الله ونواهيه والإيمان بالله القطعي وبلوغ درجة الراشدين (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186)).
اللهم إجعلنا ممن تستجاب دعواهم وأعز قيادتنا الأردنية الهاشمية بعزتك وأمتنا الإسلامية جمعاء وأنصرنا جميعاً على أعدائك أعداء الإسلام والمسلمين.
وكل عام وجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني المفدى والعائلة الهاشمية وجميع المسؤولين المنتمين للقيادة والوطن والشعب بكل خير من الله وعسى الجميع من عواده.