هذه التوجهات مطروحة بجدية أقله منذ عقدين، فهل تمكنا من إقناع طلبتنا ومجتمعنا بالتوجه لإختيار التعليم التقني والتوجه للمهنة، والانتهاء من إشكاليّة اختيار الاختصاص و«وسم» المجتمع، أم ان التجربة حققت نجاحاً محدوداً، واذا كان الامر كذلك لماذا لم ننجح في تطبيق هذه التوجهات رغم التسهيلات التي قدمتها الحكومة للقطاع الخاص والمشاركة في دفع الرواتب وتوفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لكافة المهن؟
صحيح ان التوجه نحو تشجيع المسار المهني حقق نجاحات في بعض المجالات، خصوصا مهن الميكانيك وصيانة السيارات وأخيرا البناء، إلا ان المؤمل تعزيز التجربة بشكل أكبر خصوصاً في مجالات الصيانة العامة وتمديدات الكهرباء والمياه والنظافة، وهي مهن حساسة ودقيقة، في ظل التحديات الاقتصادية الاقليمية والدولية، والانكماش الاقتصادي الذي يهدد اقتصاديات الدول الغنية التي استقطبت العمالة الاردنية الماهرة على مدى سبعة عقود متواصلة.
ولتشجيع الشباب للتوجه نحو هذا الخيار، لا بد من تغيير أولوياتنا في إعداد الموارد البشرية في الدولة من خلال بنائها وفق حاجة السوق المحلي اولاً، لأن متطلبات السوق الاقليمية تغيرت وتتجه نحو الاكتفاء والانكفاء على ذاتها، صحيح ان المهندس والطبيب والمعلم والعامل والفني الاردني أفنى عمره في تقديم خبرته في دول الخليج والعالم، لكن السوق المحلي خسر هذه الكفاءات اساساً، بالتالي التأهيل وإعداد الكفاءات يجب ان ينطلق اولاً من احتياجات السوق المحلي، وبما يقلل من الاعتماد على العمالة الوافدة التي يقدر عددها بنحو مليون عامل وعاملة.
التوجيه المهني الرسمي كحاجة مهمّة للطلاب، والتركيز على المهنة قبل الاختصاص، والاستمرار في تحديد التخصصات التقنية والمهنية المطلوبة محلياً، وكم هي حاجة السوق لها، وإعطاء الاولوية لحائزي إحدى شهادات التعليم المهني والتقني، عند طلب تعبئة الشواغر في القطاع العام، والتركيز على اعمار ما فوق 15 عاماً لطلبة المدارس لاعتماد التعليم المهني، للحصول على شهادة الكفاءة المهنية والتخصص، كل هذه خطوات مطلوبة لتعزيز هذه التوجهات مستقبلاً.
وإذا أردنا تحقيق اختراق ملموس في هذا المجال، لنفكر بربط المسار التقني والمهني بسلسلة حوافز ومعززات وإمكانيات تدريبية عالية المستوى، لجذب الشباب ومساعدته على حسن التخطيط وحسن الاختيار، خصوصاً وان الازمنة تتغير ونمط تفكير الجيل الجديد وقدراته لا يعرفها الاهل عادة، وذلك بالنظر الى حجم المعرفة والثقافة العامة والاطلاع المتاحة له بحكم ثورة المعرفة وتكنولوجيا الاتصال المتوفرة، وهذا ما بدأت بإنفاذه بعض مؤسساتنا التعليمية التقنية، وهو ما يدعو للتفاؤل. الرأي
imad.mansour70@gmail.com