لم أتمكن وغيري الكثير حتى الآن من حل لغز غض الطرف الحكومي عن المدارس الخاصة، وعلاقة الغرام الخفية بين الطرفين التي يدفع المواطن ثمنها من جهده وكده، حيث لم يسلم أي قطاع أو أردني من القرارات الحكومية، باستثناء هذه المؤسسات التعليمية التي ما تزال وزارة العمل تعتبرها من القطاعات الأكثر تضررا ويحق لها الاقتطاع من رواتب العاملين لديها.
منذ بداية جائحة كورونا توقفت المدارس الخاصة عن العمل، واعتمدت سياسة التعليم عن بعد، وهي سياسة لم تحقق المطلوب منها، ولم يستفد أبناؤنا علما جديدا إلا من رحم ربي، بيد أن أولياء الأمور تعاملوا مع هذا الأمر بكل إحساس بالمسؤولية تجاه دولتهم التي عانت كثيرا جراء الجائحة.
هذا التوقف عن العمل، أو العمل الجزئي، كانت المدارس الخاصة المستفيد الأكبر منه، كونه ساعدها كثيرا في تخفيض نفقاتها التشغيلية، ففاتورة الكهرباء انخفضت بالنسبة لها، والحال ينطبق على المياه، إلى جانب توفير مستلزمات العملية التعليمية من أوراق وأحبار، وأقلام ومستلزمات النشاطات اللامنهجية، إضافة إلى أن رواتب المعلمين والعاملين انخفضت إلى النصف، استفادة من أمر الدفاع رقم 6، جنبا إلى جنب أن هذه المدارس ما تزال متوقفة عن العمل بحكم العطلة السنوية التي تمتد لـ3 أشهر.
هذا يعني أن هذه المدارس من تاريخ 17 /3 وحتى 1 /9 المقبل (في حال لم تضطر الدولة إلى اللجوء لخيار التعليم عن بعد)، بلا كلف تشغيل إلا في الحدود الدنيا.
في مقابل ذلك، كانت هذه المدارس تتعنت بالرسوم المدرسية، وغالبيتها لم تفكر في تخفيض قيمتها جراء تراجع نفقاتها وعدم استفادة الطلبة من العملية التعليمية بشكل مباشر داخل الصفوف، حيث تمكنت من الحصول على جميع مستحقاتها من الأردنيين بدون نقصان، إلا في نسب محدودة لعدم تمكن الأهالي من الإيفاء بالتزاماتهم المالية نظرا لوضعهم المعيشي الصعب جراء تراجع قدرتهم على العمل وتوفير الدخل خلال الجائحة.
وفي ظل تهرب وزارة التربية والتعليم من مسؤوليتها تجاه مطالب الأهالي المتواصلة بضرورة الضغط على المدارس الخاصة للوصول إلى تسوية حقيقية تفضي إلى تخفيض مطالباتها المالية، تتذرع الوزارة بأن العلاقة التعاقدية هي من تحكم الطرفين؛ المدرسة وولي أمر الطالب.
الصيغة التعاقدية وفق قانون العمل تحكم علاقة صاحب العمل بالعامل في جميع المؤسسات، لكن ذلك لم يمنع الحكومة من إصدار أوامر دفاع تنظم هذه العلاقة في هذا الظرف الوبائي الطارئ، إلا في حالة المدارس الخاصة، فلم تلتفت الحكومة إلى أحوال الأهالي المالية وتساعدهم من خلال إصدار أمر دفاع ينصف الطرفين.
يتحقق الفائض أو الربح في علم الاقتصاد البسيط عندما تزيد الإيرادات على النفقات، ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع المالي للشركة كمعيار حقيقي لاعتبارها من القطاعات المتضررة أو لا، وفي حالة المدارس فإن الربح متحقق ولا نقاش فيه ولا جدال، ومع ذلك تصر الدولة على اعتبارها متضررة، ما يعني قدرتها على تخفيض رواتب العاملين فيها، واعتبارها غير ملزمة بتخفيض رسوم الدراسة فيها، وهذا يأتي على حساب المواطن الذي أنهك ماليا وتعثرت أوضاعه على مرأى ومسمع من الحكومة، وغدا سوف نرى بعض المدارس التي ستتعسف في قراراتها التي قد تصل إلى رفضها تسجيل الطلبة قبل سداد كامل الأقساط السنوية، عندها لا ندري كيف ستتصرف الوزارة!.
بعد كل هذا الكلام، لا بد أنه من حقنا طرح سؤال: ما هي المعايير التي اعتمدتها الجهات المعنية عند تصنيفها المدارس الخاصة في قائمة القطاعات المتضررة جراء كورونا؟، وهل من المعقول أن تعمد الحكومة إلى تأخير إخراج هذه المؤسسات من القائمة إلى حين عودة المدارس حتى لا يتمكن المعلمون العاملون فيها من المطالبة برواتبهم كاملة؟.
لا أعتقد أن مؤامرة مثل هذه قد تحيكها الحكومة ضد المواطن، لكن هل نستبعد أن هناك مستفيدين يضغطون بهذا الاتجاه.. والأهم أنهم يحققون النجاح تلو النجاح!.الغد