مجتمعنا في الأصل مجتمع زراعي، تشكل الزراعة على اختلافها من محاصيل حقلية وشجرية، بالإضافة للثروة الحيوانية، مصدر دخل أساسي لغالبية مواطنيه خاصة في الأرياف والقرى. ساعد على ذلك مناخه الذي يمكنه من توفير محاصيل زراعية متنوعة على مدار العام.
تصل نسبة الأراضي القابلة للزراعة 10 % من مساحته الإجمالية حوالي 9 ملايين دونم، لكن المستغل فعليا منها يقتصر على نحو 4 % تستهلك 65 % من المصادر المائية التي يذهب معظمها لزراعة الخضراوات بينما يتراجع الاهتمام في المزروعات الاستراتيجية كالقمح والشعير وهي التي تعتبر ركيزة الأمن الغذائي. وقد اعادت جائحة كورونا السؤال إلى الجميع حول أهمية وأولوية توفير المحاصيل الاستراتيجية.
لنعترف بعجزنا عن الاستغلال الأمثل لرقعتنا الزراعية وعن زيادتها واستصلاح المزيد منها لكي تكون صالحة للزراعة. ولم يعد مقبولا القول بأن هناك أراضي لا تنتج حتى لو كانت قاحلة قليلة الأمطار أو ذات تربة غير صالحة للزراعة.
العالم اليوم تجاوز ذلك بفعل تطور البحث العلمي وتقنيات الزراعة والري الحديثة. ولا ينبغي علينا البحث بعيدا بل إن نظرة على ما يحصل في دول الجوار حيث الاستفادة القصوى من أي مساحة وزراعتها بمحاصيل معينة تمكننا على أقل تقدير من استغلال الأراضي في تغطية احتياجات الثروة الحيوانية من الأعلاف وخصوصا الشعير الذي يحتاج معدلا قليلا من الأمطار.
ولعل نتائج الموسم الزراعي الحالي المبشرة والذي لم نشهد مثله خلال العقدين الأخيرين خاصة في محصول الشعير تستدعي من المعنيين التفكير جديا بالتوجه لاستصلاح وزراعة أكبر مساحة ممكنة بما فيها الأراضي الأميرية.
لا مناص من توافر إرادة حقيقية لدى الجهات المعنية بالزراعة وعلى رأسها وزارة الزراعة التي يفترض فيها أن تكون معنية بالاستثمار الأمثل للرقعة الزراعية المتاحة ويبدو من الضروري إعادة تسمية وتعريف دور الوزارة لتصبح وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي إضافة إلى دور وزارة المياه والري في تلبية الاحتياجات الزراعية المختلفة من مياه الري.
عبر خمسة عقود تعالت صيحات التحذير دون جدوى من غزو الكتل الإسمنتية والحجرية التي تزحف على أخصب أراضينا التي جعلت الأردن ذات زمان -ليس بعيدا- مصدرا للقمح والعدس. أنا أنتمي لعائلة امتهنت الزراعة وما تزال، ولدي ما يفيد بقيام المرحوم والدي في أوائل السبعينيات بالحصول على موافقة وزارة الزراعة لتصدير العدس الأحمر للبنان. وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على ما لدينا من إمكانيات تمثلت في تصدير ما كان لدينا من فائض بينما نستورد الآن أكثر من 80 % من احتياجاتنا من المحاصيل.
يستدعي التعاملُ مع هذا التحدي العديد من القرارات وأولها إنجاز المخطط الشمولي لاستعمالات الأراضي بحيث يحول دون التغول على الأراضي الزراعية واستمرار دعم المزارعين لاستصلاح الأراضي ودعمهم بالبذور وتوفير المركبات الزراعية للحراثة بالمجان. وبإمكان الحكومات الاستفادة من المعونات والمنح التي تقدم عبر المؤسسات الدولية لهذا الغرض. ولو تمكنت الحكومات من توفير نصف ما يقدم لمؤسسات المجتمع المدني في دعم القطاع الزراعي لكان حالنا أفضل بكثير.
وفي الوقت الذي يبدي جلالة الملك اهتماما خاصا بالزراعة ويحث المسؤولين على دعم هذا القطاع تُقرر وزارة الزراعة تخفيض أسعار شراء المحاصيل الزراعية من المزارعين الأردنيين بما لا يقل عن خمسين دينارا للطن الواحد من القمح والشعير وكأنها تقول للناس لا داعي لزراعة هذين المحصولين الحيويين.
الزراعة هي مصدر الدخل الثالث تقريبا في الأردن وهي توظف مليون عامل تقريبا. ولدينا صادرات زراعية تصل إلى مليار دولار سنويا قابلة للتضاعف إن زاد الاهتمام بها وتغيرت النظرة للزراعة باعتبارها خيارا استراتيجيا. وأول من يجب عليه الإيمان بذلك هو وزارة الزراعة بأن تؤمن بأننا بلد زراعي أولا وأخيرا.الغد