مدار الساعة - النساء ناقصات عقل ودين انتشر بين عامّة الناس قول أن النساءَ ناقصات عقلٍ ودين، وهي تُطلقُ، في غالبِ الأحيانِ، على من أقدمت من النساءِ على فعل أمر خاطئ، أو للتقليل من شأن المرأة والاستهزاء بها والسُخرية منها. واحتجّوا بقولهم هذا أنّ الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- قد ذكر ذلك في حديثٍ واردٍ عنه في كتبِ الحديث العديدة، فاتُّهِم علماء الحديث أنّهم لم يتركوا شيئاً في السنّةِ النبويّةِ الشريفةِ إلا وتمّ شرحهُ، وقد بيّن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- للنّساء من حوله عندما بدا عليهنّ الاستغراب والدهشة، فكيف يكُنَّ ممّن ينقصن عقلاً وديناً، وهنّ العابدات لربهنَّ، فبيّن لهنَّ رسول الله أنّ نقصانَ العقلِ والدينِ المقصود من الحديث هو أمرٌ يتعلّقُ بخلقهنَّ وليس لسوءٍ ألَمَّ بهنَّ.
في المقال الآتي بيانٌ للحديثِ الشريفِ الذي ذكرهُ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، وشرحٌ له، وما المرادُ من قول ناقصات عقل ودين.
الحديث الوارد في نقص العقل والدين أصل هذه المقولة حديث الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- الذي رواه أبو سعيد الخدري الوارد لدى البخاري في صحيحه: (خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أضحى أو فِطْرٍ إلى المُصلَّى، فصلَّى ثمَّ انصرَف، فقام فوعَظ النَّاسَ وأمَرهم بالصَّدقةِ، قال: (أيُّها النَّاسُ تصدَّقوا)، ثمَّ انصرَف فمرَّ على النِّساءِ، فقال: (يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقْنَ فإنِّي أراكنَّ أكثَرَ أهلِ النَّارِ)، فقُلْنَ: ولمَ ذلك يا رسولَ اللهِ؟ قال: (تُكثِرْنَ اللَّعنَ وتكفُرْنَ العشيرَ، ما رأَيْتُ مِن ناقصاتِ عقلٍ ودِينٍ أذهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحازمِ مِن إحداكنَّ يا معشرَ النِّساءِ)، فقُلْنُ له: ما نقصانُ دِينِنا وعقلِنا يا رسولَ اللهِ؟ قال: (أليس شَهادةُ المرأةِ مِثْلَ نصفِ شَهادةِ الرَّجُلِ)، قُلْنَ: بلى، قال: (فذاك نُقصانُ عقلِها أوَليسَتْ إذا حاضتِ المرأةُ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ)؟ قُلْنَ: بلى، قال (فذاك نُقصانُ دِينِها)، ثمَّ انصرَف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا صار إلى منزلِه جاءتْ زينبُ امرأةُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ تستأذِنُ عليه، فقيل: يا رسولَ اللهِ هذه زينبُ تستأذِنُ عليك. فقال: (أيُّ الزَّيانبِ)؟ قيل: امرأةُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: (نَعم ائذَنوا لها)، فأذِن لها، فقالت: يا نبيَّ اللهِ إنَّك أمَرْتَنا اليومَ بالصَّدقةِ، وكان عندي حُلِيٌّ فأرَدْتُ أنْ أتصدَّقَ، فزعَم ابنُ مسعودٍ أنَّه وولَدَه أحقُّ مَن تصدَّقْتُ به عليهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (صدَق زوجُك وولَدُك أحقُّ مَن تصدَّقْتِ به عليهم)).
مُصطلحات الحديث
المعشر: قال أهل اللغة المعشر تعني الجماعة الذين يشتركون في أمر واحد، وهو اسم يُطلَق على الإنس فيُقال معشر، والجن معشر، وكذا الأنبياء معشر، والنساء أيضاً معشر ونحو ذلك، وجمع معشر معاشر. أمّا العشير بفتح العين وكسر الشين، يعني في الأصل المعاشر مُطلقاً، والمقصود هنا الزوج.
اللب: فهو العقل، والمراد به كمال العقل، وقوله الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- فهذا نقصان العقل: أي بمعنى علامة نقصانه، وقوله -عليه الصّلاة والسّلام- وتمكث الليالي ما تُصلّي: بمعنى تمكث الليالي والأيام لا تُصلّي صلاتها بسبب الحيض، وكذلك تُفطر أياماً من شهر رمضان بسبب الحيض.
تُكثِرن اللعن: والصغيرة في حكم الشرع إذا أُكثر منها صارت كبيرةً، قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- لعنُ المؤمن كقتله، واجمع العلماء على حُرمة اللعن. اللعن في اللغة: الإبعاد والطرد. واللعن في الشرع: الإبعاد والطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى، فلا يصحّ أن يبعد العبد غيره من رحمة الله تعالى من يجهل حاله وخاتمة أمره، بعلم ومعرفة قطعيّة.
شرح حديث ناقصات عقل ودين بيّن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- معنى قوله ناقصات عقل ودين للنساء بعد أن كَثُرَ السؤال عن نقصان العقل والدين، وكأنهُ خُفيَّ على النساء ذلك حتى سألنَّ رسول الله، فما هو نقصان العقل والدين الذي تحدث عنه رسول الله: نقصان العقل: أي أنّ المرأة كثيراً ما يُصيبها النّسيان، ويصعب عليها تذكّر بعضاً من الأمورِ التي تمرّ بها في حياتِها، ولذلك تحتاج المرأة إلى من يُذكرها ما مرّ بها سابقاً، وما فاتها تذكره من أحداث، ولذلك كانت شهادة امرأتين تُعادل شهادة رجل واحد؛ ذلك أنّ المرأة الأولى تُذكِّر الثانية، فالمرأة معروفٌ عنها بقلةِ ضبطها، وهذا هو المقصود من قول رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بنقصان العقل.
نقصان الدين: قصد رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بنقصان الدين أنّ المرأة تمكث الأيام والليالي دون صلاة أو صوم في شهر رمضان؛ بسببِ الحيضِ أو النفاسِ الذي يُصيبُ المرأةَ، فيفوتها أجرُ هذه الأيام وثوابها، في الوقت الذي يُكثرُ فيه الرجل من العبادة في هذه الأيام، فهي مُقارنةً مع الرجل تنقص عنه في الأجر.
الأحكام الواردة في الحديث يُستَخلص ممّا سبق أن الحديث ورد فيه العديد من الأحكام، منها ما يأتي:
ورد في الحديث مجموعة من العلوم، مثل الحثّ على الصدقة، وأعمال البِرّ، وإكثار العبد من الاستغفار، وغيرها من الطاعات التي تُقرِّبُ العبد من اللهِ عز وجل لينالَ رضاهُ ويفوز بجنّاته. فيه بيان للعبد أن الحسنات يُذهِبن السّيئات، كما بيَّن الله عزّ وجلّ، في أكثر من موضع في كتابهِ الكريم. في الحديث توضيحٌ وبيانٌ أن كُفران العشير وإنكار الإحسان يُعتبرُ من الكبائر، ذلك أنّ التوعّد بالنار هو علامة من علامات كون المَعصية كبيرة من الكبائر.
وفيه دليلٌ على أن العبدَ يُعذّبهُ الله على جحدِ الاحسان، وجحدِ الفضلِ وشكر النعم، فشكرُ المُنعم واجب. قال العلماء: لا يجوز لعن شخص بعينه؛ مسلماً كان أم كافراً، أو لعن دابةً من دوابِ الأرض، إلا من عُلم بنصٍ شرعيّ أنه لحظةَ موتهِ كان على الكفر، كأبي جهلٍ وإبليس.
وأما اللعن إن كان بالوصف فليس بحرامٍ، مثل لعن الواصلة والمُستوصلة، وكذا الواشمة والمستوشمة، ومن أكلَ الربا ومُوكّله، والظالمين والفاسقين، ولعن الكافرين، وغير ذلك ممّا جاءت به وذكرته النصوص الشرعيّة بإطلاق اللعن على الأوصاف، لا على الأشخاص فهذا جائزٌ. في الحديث بيانُ زيادةُ الإيمانِ ونقصانهِ؛ فالإيمان قابل للزّيادة والنّقصان بحسب عمل الشخص وعبادته وتقرّبه من الله سبحانه وتعالى. وفي الحديث جواز صحّة وعظ الإمام للرعيّة وأصحاب الولايات، ومن هم كبراء الناس لرعاياهم، وتحذيرهم على المُخالفات، وتشجيعهم على الطاعات. وذكر العينيّ في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أنّ ما يُستفاد من الحديث الدلالة على أهميّة وعظم حقّ الزوج، ودليل ذلك حديث النبي -عليه الصّلاة والسّلام-: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللَه عليه وسلَّم دخَل حائطًا فجاء بعيرٌ فسجَد له، فقالوا: نحن أحقُّ أن نسجُدَ لك. فقال: لو أمَرْتُ أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ لأمَرْتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها).
ولأجل هذا المعنى خصصّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كفران العشير من بين جميع الذنوب الأخرى، وقَرَن فيه حقّ الله وحقّ الزوج على الزوجة معاً، فإذا كفرت وأنكرت المرأة حق زوجها كان ذلك دليلاً واضحاً على تهاون الزوجةِ بحق الله تعالى، فلذلك أُطلق على المرأة الكفر؛ إلا أنّه كفرٌ لا يُخرجُ العبد عن المِلّةِ.