مدار الساعة - أمر اللهُ تعالى عباده المؤمنين أن يذكروا نعمَهُ عليهم، فقال سبحانه مخاطبًا المؤمنينَ والناسَ أجمعين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ"، وقال أيضًا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ"، وإنّ من أعظم نعم الله تعالى التي يجب أن نذكرَها ونُذكِّرَ بها نعمةَ الأمن والأمان؛ فهي منّةٌ منَ الله على هذه الأُمّة المباركة المرحومة، قال تعالى: "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ"، وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ"، وقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".
فللأمنِ أهميّةٌ كبيرة؛ إذ هو صمّامُ أمان أيّ مجتمع ضدّ الأخطار، وهو الذي تتحقّقُ به أهدافُ المواطنين والوطن وغاياتُهم العُليا فإنّ المملكة الأردنيّة الهاشميّة لم تألُ منذ تأسيسها جهدًا في اتّخاذ جميع الإجراءات والوسائل اللازمة لتحقيق الأمن الشامل والحياة الكريمة لمواطنيها وللمقيمين على أراضيها.
ولمّا كانَ الباحثُ محمّد علي أحمد خوالدة أحدَ ضبّاط إدارة الإفتاء والإرشاد الدينيّ في جهاز الأمن العامّ الأردنيّ وجنديًّا من جنوده فقد وجد لزامًا عليه ووفاءً منه لهذا الجهاز أن تتمحورَ دراستُهُ حولَه، فَجَعَلَها تأصيلًا شرعيًّا لواجبات جهاز الأمن العاّم الذي نصّ عليها المُشَرِّعُ الأردنيُّ في قانون الأمن العامّ الأردنيّ رقم (38) لعام 1965م، والسياسة الشرعيّة التي انطلق منها هذا القانون.
وعليه، فقد نوقِشَت في جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة أُطروحَةٌ جامعيّةٌ في القضاء الشِّرعيّ موسومةٌ بـِ "المقاصدُ والمبادئُ الشرعيّةُ الناظِمَةُ للسياسةِ الشرعيّةِ في قانونِ الأمنِ العامِّ الأردنيِّ رقم 38 لعام 1965م: دراسةٌ تطبيقيّة"، أشرف عليها الأستاذ الدكتور هاني سليمان الطعيمات، أستاذ الفقه وأصوله في جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة، الأمين العامّ الأسبق لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلاميّة، وضمّت لجنةُ مناقشتها العلميّةُ الأستاذَ الدكتور أحمد مصطفى القضاة، أستاذَ الفقه وأصوله في جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة، عضوَ مجلس النوّاب الأردنيّ السادس عشر (رئيس اللجنة)، والأستاذَ الدكتور علي محمود الزقيلي، أستاذَ الفقه وأصوله في جامعة مؤتة، ومفتي محافظة الكرك الأسبق، ضيف جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة، والدكتورةَ سناء جميل الحنيطي، أستاذةَ القضاء الشرعي في جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة، المستشارةَ الشرعيّة لشؤون الأُسرة.
وقد تناولت الدراسة المقاصد والمبادئ الشرعيّة التي جاءت بها رسالة الإسلام، ونُصَّ عليها في كتاب الله تعالى وسنّة النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، التي اعتمد عليها المُشَرِّعُ الأردنيّ عند صياغة نصوص قانون الأمن العامّ الأردنيّ موضع الدراسة، والسياسة الشرعيّة التي انطلق منها هذا القانون، وهدفت إلى التعريف بجهاز الأمن العامّ الأردنيّ وبيان آليّاته وأذرعه التي تؤدّي مهامَّهُ وواجباته، وبيان أنّ المهامّ والواجبات التي يؤدّيها جهاز الأمن العام الأردنيّ بمقتضى قانون الأمن العامّ لعام 1965م جاءت تطبيقًا لمقاصد الشريعة الإسلاميّة ومبادئها، ودفع الشُّبُهات التي تُثيرُها الجماعاتُ المتطرّفة والتكفيريّة ضدّ رجال الأمن العامّ، وسعت إلى توضيح المقصود بالمقاصد والمبادئ الشرعيّة، وتعرُّف مدى مراعاتها في قانون الأمن العامّ الأردنيّ، وتوضيح المقصود بالسياسة الشرعيّة، وتعرُّف دورها في إصدار قانون الأمن العامّ الأردنيّ؟ ومدى تطبيقها، وآليات جهاز الأمن العامّ وأذرعه التي يعمل من خلالها على تطبيق هذه المقاصد الشرعيّة.
ولتحقيق الدراسة أهدافَها فقد اتّبع الباحثُ فيها مناهجَ عدّة، أوّلها الاستقرائيّ، وذلك بتتبّع المقاصد والمبادئ الشرعيّة وأدلّتها من نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، وتتبّع أقوال العلماء المتعلّقة بمسائل الدراسة وجزئياتها، ونشأة جهاز الأمن العام، وأذرعه المختلفة، وثانيها الوصفيّ، وذلك بعرض مقاصد الشريعة الإسلاميّة والموادّ القانونيّة المتعلّقة بموضوع الدراسة، وبيان العلاقة بينهما، وترتيبها على نحوٍ متسلسل وَفق خطّة الدراسة، وعرض واجبات جهاز الأمن العامّ كما نصّ عليها القانون، وثالثها التحليليّ، وذلك بدراسة وتحليل مقاصد الشريعة الإسلاميّة ومبادئها، والنصوص القانونيّة المتعلّقة بموضوع الدراسة.
وَخَلُصَت الدراسة إلى جملة من النتائج، أهمّها: أنّ المُشَرِّع الأردنيّ أوجب على رجال الأمن العامّ حفظ النظام العامّ في المملكة الأردنيّة الهاشميّة من خلال تحقيق الضّرورات الخمس التي أمرت بها الشريعة الإسلاميّة، وهي: الحفاظ على الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وأنّ جهاز الأمن العامّ في المملكة الأردنيّة الهاشميّة لم يعد جهازًا تقليديًّا في واجباته، بل أصبح جهازًا خدميًّا، يقدّم خدماتٍ إنسانيّةً واجتماعيّة واقتصاديّة، إضافة إلى الواجبات الأمنيّة، وَمِنْ ثَمَّ فهو يسعى إلى تحقيق مفهوم الأمن الشامل.
وفي خِتام دراسته أوصى الباحث بتوجيه الباحثين وطلبة الدراسات العُليا لإجراء المزيد من الدراسات الفقهيّة في المجالات المتعلّقة بالشؤون العسكريّة والأمنيّة؛ للردّ على أصحاب اللوثات الفكريّة، والإفادة من دراسته في المعاهد والمراكز التدريبيّة في جهاز الأمن العامّ الأردنيّ، من حيثُ إنّها رسالةٌ شرعيّة تأصيليّة لآليات عمل جهاز الأمن العامّ الأردنيّ في ضَوء مقاصد الشريعة الإسلاميّة ومبادئها.