في تاريخ مقالاتي لم تأخذ النساء حقهن في الإشارة لهن أو الإشادة بهن أو الشهادة بتميزهن، رغم أن بلادنا تزخر بأعظم النساء اللاتي ولدتهن هذه الأرض المباركة، ولكن في السياسة تضيع حقوق النساء بين آلاعيب أصابعنا على مصطلحات ذكورية قلما تجد مدحا لها، وهنا تبرز معضلة الرجال في العالم العربي، إذ نحاول عبثا الحصول على مثال رائع للقيادة العامة للحكومات وتطبيق الفكر المتقدم على المصلحة الذاتية، أو الإجترار الفئوي والقطري أو جرّ بلدان العرب الى أودية الضياع، في المقابل تحتفظ النساء بالدرجة الأقل في سلم الفساد و الألوهية المتجبرة.
هنا لا أتحدث عن نساء عربيات مع تقديري البالغ لهن، ولكن المثال الرائع للقيادة النسائية جاءتنا من الإتحاد الأوروبي، جارنا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وشريكنا في الجغرافيا الشمالية الملتفّة، وقد مثلته ثلاث نساء أخضعن دول الإتحاد التسع والعشرين لمعايير النجاح الذي أخرج القارة الأوروبية من إنهيار إقتصادي وشيك، كاد يدمر البنية الاقتصادية والاجتماعية هناك، ولسنا ببعيد عن تأثيراته وارتداداته السلبية، ولكن الجرأة التي تحلت بهن تلك السيدات قد انقذت أوروبا حتى الآن عقب كارثة كورونا.
أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية الأقوى في القارة العجوز، وخليفة مارغرت تاتشر البريطانية الحديدية، والتي أقنعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتجمع مالي أوروبي يعادل 275 مليار يورو لمساعدة دول الاتحاد لتجاوز أزمة كورونا، ورغم اعتراض دول شمال أوروبا خشية من التورط بقضايا فساد أو تجاوزات من قبل دول ما، ولكن الأمر قد قضي ودارت عجلة الاقتصاد الأوروبي، باتفاق لمنح الدول المتضررة بمبلغ 500 مليار يورو كمساعدات غير مستردة، و250 ملياراً على شكل قروض مستردة.
ميركل لم تكن لتفعل ذلك لولا مساعدة إمرأتين قويتين، هما رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا ديرلاين ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، اللتان كانتا دعامات قوية لخطة التحفيز الاقتصادي لدول أوروبا، فقد بذلتا جهودا جبارة للإحاطة بتفاصيل خطة الإنعاش ورفع راية أوروبا لن تسقط، فجاء التحالف النسائي الثلاثي مائدة هبطت على أوروبا لتنقذها من مستقبل أسود، خصوصا بعد تقديرات صندوق النقد الدولي بانخفاض حاد لاقتصاديات السوق الأوروبية وأكثرها فرنسا المثقلة أصلا بالديون والمشاكل المركبّة.
ننظر الى الإنجازات العبقرية التي تقدمها دول تحافظ على كينونتها بالمزيد من التعاون والدعم رغم ورطتها الكبيرة، دون أن تنحاز الى الإنكفاء الذاتي الداخلي رغم اختلاف أعراقها وألسنتها، وترمي بعيدا بحروبها الى سلة التاريخ، دون أي تعاطٍ سياسي غبي بناء على خصومات ونزاعات تحركها ملفات لا يفهمها سوى صانعي الإنشقاقات في عالمنا الشرقي، حتى أن منّا من جاء بالأعداء لمقاتلة الأشقاء ونسي تاريخ الأرض ووحدة الإنسان واللسان وتنكر لكرم الشقيق واستبدله بمليشيات مغسولة الأدمغة بماء الأفيون المخدر. تلك هي أوروبا التي لم تخضع لسلطة الغرب الأميركي ولا للشرق الصيني ولا للشمال الروسي، تقود النساء فيها حركة التغيير السياسي والإقتصادي وتؤسس لمرحلة جديدة من عمر القارة العجوز بعد انتشار الوباء القاتل للأرواح والإقتصادات.
متى تخرج علينا نساء عربيات يقدّن حكوماتهن لإنقاذ ما قتله الرجال بالفساد والتنافس للمكاسب والإنكفاء على القُطرية المقيتة؟ الرأي
ROYAL430@HOTMAIL.COM