مدار الساعة - كتب: بشير حسن المومني
في مشهد سيريالي في الفيلم المصري الخالد (طيور الظلام) للفنان عادل إمام وفي لحظة اتخاذه القرار بانتقاله من الاحياء المعدمة الى مركز المال والنفوذ في العاصمة بعد تفكيكه لقضية معقدة لشخصيات رفيعة متهمة بالاتجار بالمخدرات يقوم الزعيم عادل إمام بجمع كتب القانون ويضعها في كرتونة مكتوب عليها (قابل للكسر) وهذا المشهد تحديدا أعدت مشاهدته عشرات المرات لما فيه من عبقرية مذهلة وتفاصيل منتقاة بعناية الفيلسوف ولما فيه من إبداع درامي يوصل رسائل في عدة اتجاهات بشكل سلس بسيط جدا لا يكاد ينتبه إليه أحد..
تبرز في الفيلم الفنانة يسرى بجمالها لتمثل دور بائعة الهوى التي تحترف لاحقا (التجارة) في رمزية عجيبة وربط عبقري عز نظيره ويطل علينا كذلك احد المبدعين المصريين ممن لا يحضرني اسمه ليمثل دور الشخصية السيودينية التي تتغطى باللحية وتنثر الفساد حالها كحال باقي طيور الظلام من ثلاثية استعمال النفوذ والمال والدين وتوظيفها للمصالح الخاصة في سبيل التسلل للدولة والصراع على الكرسي والجميع يخرق القانون لكن من خلال لعبة ذكية هادئة إلا أن اللحظة الفارقة كانت عند لجوء الشخصية الثيوقراطية المتدينة للعنف حيث يتفاجأ الجميع ببدء عملية تساقط احجار الدومينو وأن الدولة بالنهاية تفرض قوتها وسطوتها وهيبتها ويتم تطبيق احكام القانون على الجميع..
بجميع الاحوال يلتقط المخرج افكار المؤلف ويوظفها بطريقة تشدك وتتمنى أن تصل الى نهايات ينتصر فيها احد اطراف المعادلة لكن تبقى العملية مفتوحة للاجتهادات والتخمينات والتأويل لكن ما هو ملفت للنظر أن اتباع التنظيمات الدينية السياسية تبقى في حالة عدم تكيف اجتماعي بالرغم من انخراطها في منظومة الدولة وهي تحاول استخدام هذه المنظومة لتحقيق غاياتها واهدافها المغلفة بالقالب الديني ولكنها في حقيقتها لا تعدو كونها شكل آخر للفساد والاستبداد والسعي للسلطة لا أكثر لكنها تختلف عن غيرها من جانب مهم وهو العنف المادي الذي يسبقه العنف المعنوي وكل انتهاك جسدي للدولة يسبقه انتهاك لفظي..
على الجميع الحذر والانتباه حيث يبدو هذه الايام أن أدبيات انتهاك حرمة الدولة لفظيا ومعنويا باتت لدينا مسألة عادية ووجهة نظر وحرية تعبير كما يزعم البعض في حين أنها مقدمات للعنف المادي الذي ينتهك الحرمات والمحرمات الوطنية فلقد استمعنا جميعا الايام الماضية الى خطاب كاد يكون تكفيريا وتشابه إلى حد بعيد مع فكرة (حروب الردة لمانعي الزكاة)..
الراي