بقلم: الدكتور محمــود الــوادي
يَزْدَانُ الوطن بألوان الأبيض والأسود والأحمر والأخضر، في راية واحدة خفّاقة، وَحّدت امتداد الأرض الأردنية المباركة، والتي سجلت في تاريخ العروبة الانتصار تلو الانتصار، والعطاء تلو العطاء، لِتَغزلَ للعرب كافة قصة فخر ممتدة في بقاع الأرض، لا تحدها صعاب، ولا تقف في طريقها إرهاصات إرهاب، ففي كل موقع من مواقع الشرف قدّمَ الأردنيون أرواحهم ليُورثوا أبناءهم دماء الشهادة وعطرها الطاهر، فها هي الأردن بجيشها الباسل،يذود عن حمى البلاد وشرف العباد، وعن الدين والعروبة، متخذين من سيوف الحق نهجا، ومن بنيان الكرامة عنوانا ودربا، سائرين على خطوات ليوث الهاشميين الأحرار، والذين أَبَوا الانكسار والهزيمة والهوان، يعزفون بعدتهم وعَتَادهم أجمل ألوان الأمن والأمان، فهم قد نقشوا وسط قلوبهم حب الوطن والتضحية، إلا تصميما من أبنائها بواسل الجيش العربي المصطفوي على الاستمرار في الحفاظ على أمن الوطن الغالي الذي يستحق كل غال ونفيس، جيش عاش بطولات مهما حاولنا عدها لن نستطيع إلا أن نقف مشدوهي الفكر أمام إنجازاتها، فما جيشنا الأصيل إلا امتداد لثورة الآباء والأجداد من أحرار بني هاشم الشرفاء، ومن الأردنيين النشامى، والعرب المتآخين، في ثورتهم الكبرى ثورة العرب والعروبة، التي تطل علينا اليوم بذكراها الرابعة بعد المائة لرصاصة العز الشامخة المعانقة لهامات روح العروبة الأصيلة، فسكبت هذه الرصاصة في الأنفس أجمل انتفاضة على الذل والمهانة، وقصّرت دروب الفتح بتوحيد العرب، فحملوا بين الضلوع رايات الشهادة، وعلّموا الناس أن الموت لحن يعزف بطرب حينما تطلبه الأرض ويحتاجه الوطن، فقد قاد الشريف الحسين بن علي في حزيران (يونيو) 1916، وهو الجد الأكبر لجلالة الملك عبد الله الثاني ثورة العرب الكبرى، التي ساهم فيها أبناؤه الأمراء علي وفيصل وعبد الله وزيد، إلى جانب أحرار العرب الأبطال الذين انضموا لصفوف الثورة كونها حركة تحرر تنشد استقلال العرب ويقظتهم ووحدتهم ونهضتهم، فنتج عن هذا اليوم منعطف مهم في تاريخ العرب، فهي لم تكن ثورة رجل واحد، بل هي ثورة لسان واحد لجنس واحد أبى أن يَذبل، وتُمسح آثاره من ذاكرة التاريخ.
وفي هذا العام تطل علينا الذكرى لهذه الثورة الأبية، مستذكرين بإطلالتها نهضتها وفصولها التاريخية الحضارية المستمرة، والمحفوظة في جنبات الأجيال العربية كافة، لتحمل هذه الأجيال مبادئها، للسير على خُطَى الأبطال شهدائها، وتعمل بما يليق وإرثها التاريخي المهيب. ولعل هذه الوقفة مع ذكرى الثورة العربية هي وقفة ضرورية لتعيد لحمة الأمة، وتنشلهم من خلافاتهم المتفشية، وتنثر ربيعا أخضرا مزهرا بعيدا عن دماء الفتن، فكان لسيد البلاد رؤيته النافذة وكأنه يرسل للعرب كافة رسالة سلام تمتد لتحتضن الشعوب العربية المتعبة من ويلات الحروب والقتل والآهات، وتقول لهم عودوا لأخوتكم أيها العرب.