أكره أن يتحوّل الكاتب إلى واعظ. فهذا ليس دوره. بل إنني أرى أن الكاتب الحقيقي و المبدع هو الذي يغيّر ويبدّل لأنه لا حقائق مطلقة لديه وبالتالي لا يستطيع إلزام الناس بخطبة وعظيّة كلّما وصل إلى قناعة ما؛ لأنه من السهل عليه تغيير تلك القناعة عند أوّل شارع فرعي سواء كان الشارع نافذاً أم غير نافذ.
كثير من الذين يعتقدون بأنّهم كتّاب ولم يجدوا فرصاً لهم إلا بركوب الباص السريع للكتاب ؛ تشعر أنه (خطيب قوم). تشعر أنه يكتب إليك وهو لا يملك من صيغ الكلام إلاّ ( افعلْ ولا تفعلْ ). يعطيك إحساساً بأنك ولا شيء وهو الوحيد الفاهم العارف وما أنت إلاّ جاهل وغير مدرك لعبقريته التي يعتبرها مظلومة في هذا الزمن. والغريب أنه يحدّثك عن (الرويبضة) وكيف أنهم احتلوا مكانه وكأن حلّ كل مشكلاتنا هو أن نستبدل رويبضة برويبضة آخر ..!
الكتابة المبدعة ليس لها قانون . ولا تعتمد على شعارات جوفاء مُسبقة تكون جاهزة للتدخل السريع وكأنك تتدخل بين خصمين قبل اندلاع الطوشة أو أثناءها أو بعدها. الكتابة المبدعة صناعة حياة وإطلاق الجمال من كل قيوده للوصول إلى صياغة وجدان جمعي للناس؛ هذا الوجدان يساعد في فهم التاريخ والدين والجغرافيا وكافة العلوم. ولن يكون ذاك بدون كاتب يعتمد الفلسفة أصلاً من أصول تعاطيه مع نفسه أولاً ومع الآخرين ثانياً..!
آسف للكلام الكبير. لكنها الحقيقة. الذي ينتظر وعظاً وإرشاداً مسطّحين هو الذي ينتظر أن يطعمه ويسقيه الآخرون مهما كان طعم الطعام ورائحة الماء.
انتصر لنفسك ولا تنتظر واعظاً تحت غطاء كاتب..لأن أغلب الكتّاب يعيشون دور (خطيب القوم).الدستور