بقلم الدكتور محمود الوادي
العولمة اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم أصبحث ثقافية وتقنية، وَأصْبَحَ الاقتصاد العالمي اليوم ضحية لفايروس كورونا، حيث أصاب الناس فزع وخوف من كل الأنواع.
الآثار ستكون بالدرجة الأولى اقتصادية وثقافية وسياسية وقومية، وما أشبه اليوم بالبارحة، فِي العام 2008 كانت أزمة مالية عصفت بالكثير من اقتصاديات العالم، وتأثرت البنوك وشركات المال والائتمان تأثرا كبيرا.
واليوم يتوجه العالم الى انهيار اقتصادي كبير يشبه الكساد الاقتصادي عام 1929، لأنه سيكون عاصفا وخاصة على اقتصاديات الدول النامية، وعلى أصحاب المشاريع الصغيرة على وجه الخصوص، حيث أن المؤشرات المالية العالمية وصلت الى درجة لم تحصل ابداً الا في الأزمات الاقتصادية العالمية عامي 1929 و 2008.
الوضع الإقتصادي المستقبلي المتوقع:
من خلال متابعة العالم للوضع الصحي الحالي في كل دول العالم، هناك توقعات للاقتصاديين بركود اقْتصادي حَيْثُ يمر الاقتصاد بدورات تجارية متعددة.
وعليه فإنه يترتب على ذلك ضعف في الاستثمار، والإنتاج، وارتفاع في الأسعار، وضعف القدرة الشرائية للنقود، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، ونقص الإيرادات العامة للكثير من الدول وخاصة الدول النامية.
غالباً سيحصل تباطؤ وتراجع في النمو الاقتصادي، وهناك سيحصل خوف كبير من هجرة المليارات من الأموال للخارج طلبًا للأمان مما سيؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي في تلك الدُّوَل، وهَذَا يؤدي إلى ركود اقتصادي، وعدم توفر فرص عمل جديدة لأبناء المجتمع، بل سيفقد الكثيرون وظائفهم.
وإذا نظرنا إلى الدُّوَل العَرَبية سنجدها: أولًا: دول ذات معدلات دخل عالية تؤهلها لِمُساعَدَة أبنائها وتعويضهم عما قد يصيبهم من ضرر اقْتصادي. وَالثَّانية دول ذات دخل متدنٍ، ستتأثر ايراداتها، مما يضعف فرص العَمَل فِيهِا، بَلْ وسيفقد الكثيرون فِيهِا فرص عملهم، ولن تتمكن تلك الدول من تعويض مواطنيها ماديًا.
الاقتصاد الأردني قبيل أزمة فايروس كورونا:
يُعَانِي الاقتصاد الأردني من المديونية، والعجز في الموازنة العامة للدولة، ارتفاع معدل البطالة، وتباطؤ في النمو الاقتصادي، واعتماد تمويل الموازنة بشكل كبير على الضرائب بشتى أنواعها، وعلى الاقتراض الداخلي والخارجي.
اقتصاد الأردن صغير يعتمد بِشَكْل كَبِير على حوالات العاملين في الخارج، وعلى القروض من المؤسسات الدولية، وكذلك على حوالات القطاع السياحي، وشيء من الصادرات وخاصة قطاع الخدمات.
وفي ظل أزمة كورونا، وقفت الحكومة أمام خيارات، إما أن تعمل حظر تجول جزئي، وهذا فيه خطر على حياة الأردنيين، ولكنه اقتصادياً أقل ضررا، أو أن تعمل حظر شامل وتحافظ على حياة الناس، وهذا له كلفة اقتصادية عالية جداً على اقتصاد الدولة بشكل عام، قد يؤدي الى تباطؤ في النمو الإقتصادي، ونقص في حجم الإيرادات الحكومية بشتى انواعها.
وتدخلت وزارة المالية، والبنك المركزي الأردني للحد من المشكلة الاقتصادية سواء بتخفيض نسبة الفائدة أو بدعم وإقراض الكثير من المؤسسات قروضاً ميسرة، وخاصة قطاع التعليم المدرسي والجامعي، وإجراءات السياسة النقدية والسياسة المالية كلها، كانت في صالح القطاعين العام والخاص، لأن الأردن اعتبر الانسان اغلى ما يملك، اضافة لتأجيل أقساط البنوك ودعم عمال المياومة، وأصحاب الدخول المحدودة.
وأمام الحكومة تحديات كثيرة في دعم القطاعات حسب سلم الأولوية:
1) قطاع الأمن الغذائي: تشجيع الصناعات الوطنية الزراعية، والصناعات التحويلية، ودعم القطاع الزراعي لزيادة الانتاج، وتوظيف العمالة الأردنية بدلاً من العمالة الوافدة.
2) القطاع السياحي: حيث يمتاز الأردن بالسياحة التعليمية والصحية المتميزة، وَلَدَيْهِ آثار تاريخية، ودينية، وثقافية، وهنا يجب على الحكومة دعم هذا القطاع وتحسين خدماته بكافة أنواعها، لأنها فرصة بعد هذه الأزمة لدعم الاقتصاد القومي.
3) القطاع الصناعي: قطاع مُهِمٌ في الأردن ويشكل تقريباً 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ويجب على الحكومة دعم وتحفيز هذا القطاع ليصبح أكثر تنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي.
4) قطاع التعليم: قطاع متميز، ويعتمد اعتماداً كبيراً على تكنولوجيا المعلومات، وأثبت في الأزمة الأخيرة أنه قطاع متفوق باستخدام تكنولوجيا المعلومات، والتواصل الإلكتروني يزداد بشكل مستمر.
5) قطاع الإتصالات: حقق إنجازا كبيرا في مجال البحث العلمي والابتكارات.
وعلى الحكومة، وضع خطط تحسينية قابلة للتنفيذ، وإيجاد فرص عمل لأبناء المجتمع في مختلف القطاعات لمحاولة القضاء على الفقر والبطالة عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي الإنتاجي، وزيادة حجم الاستثمارات في الداخل، وعدم تحويل الأموال للخارج، وزيادة حجم التدفقات النقدية الخارجية، وتقديم تسهيلات للاستثمار الأجنبي لوجود نعمة الأمن والأمان في بلادنا، ودعم القطاع الخاص لرفع انتاجيته، وتحسين قدرات الجهاز الحكومي.