قد نتفق ان هذا الضيف الثقيل الذي صممه البريطانيون قبيل رحيلهم كنظام لتقييم قدرات الطلاب التعليمية والعقلية كان معياراً ممتازاً؛ عندما كان عدد الطلاب في المدارس لا يتجاوز 6000 طالبا يتم توزيعهم على التخصصات الجامعية لحاجة الدولة الى مورد بشري عند تأسيس الدولة الاردنية في ذلك الوقت, اما ان نقيّم مئات الآلاف من الطلبة بنفس المعيار وفي واقع وزمن مختلفين؛ فهذا صدقا ضرب من الجنون لطالما عانت منه العائلة الاردنية.
لا شك ان الذنيبات ضبط جودة الامتحان وخفف من اختراقه ولكنه لم يصل الى الجوهر الحقيقي في امتحان قدرات ومهارات الطلاب ليتسنى بعدها تحديد مساراتهم التعليمية حسب تلك القدرات والمهارات. لكن الواقع يشهد تراجعاً خطيراً في العملية التعليمية بشكل عام على كافة المستويات، ولعل ابرز اسباب هذا التراجع هو عدم توفر بديل حقيقي لاختبار قدرات الطلاب بمعيار ينتمي الى العصر. ان استمرار القول إن التوجيهي هو المعيار الانسب وترسيخه في عقول وافكار ابنائنا جرنا الى فشل ذريع حرمنا من اكتشاف طاقات ومهارات وقدرات ضاعت مع ضياع من يحملها. وقد استبشرنا خيرا بقدوم الوزير الجديد والذي يعمل جاهدا على ثلاثة مستويات, المناهج والتدريب والتوجيهي ولكنه وبرغم حداثته اتجه مباشرة الى امتحان التوجيهي وابتكر فكرة جديدة قد تبدو في مظهرها الخارجي جميلة لكنها حقا فكرة خطيرة قد تودي بالعملية التربوية برمتها.
وبحسبة صغيرة نجد ان هنالك طالباً موهوباً في الرياضيات لكنه لا يتقن الكتابة بلغة الام او في اللغة الانجليزية ويسمح له مجموع علاماته دخول كلية الطب فهل من المعقول ان يتعلم الطب وهو لا يتقن اللغة الانجليزية؟! وتخيل كذلك ان مجموع احد الطلاب يتيح له دراسة القانون ولا يستطيع ان يفرق بين "لكن ولاكن" فكيف تتصورون اول عريضة للقضاء في اول قضية يدافع عنها؟ اليس من المعيب لطالب مبدع في التاريخ ألا يتقن جدول الضرب او المعادلات من الدرجة الاولى؟؟ اذا مهما كان الطالب مبدعا في مسار ما فمن المهم ايضا ان يمتلك الحد الادنى من المهارات في الكتابة والقراءة وغيرها من المهارات.
أما ان نسلم ان ذلك الطالب مبدع في الفيزياء ولكنه غير مستكمل في اللغة العربية او الانجليزية فحتما هنالك خلل في معيار التقويم الذي نحدد على اساسه قدرات الطلاب ومساراتهم المستقبلية. ان افتقار وزارة التربية والتعليم لاي بديل مقنع عملي وعلمي لقياس القدرات الحقيقية للطلاب لا يعني بالمطلق الدخول بمغامرة جديدة دون دراسات او استراتيجيات من خبراء ومختصين ولن يفضي الا لمزيد من تعقيد للمشكلة. اعتقد ان ما كنا نحتاجه قبل 50 عاما حتما قد تغير فنحن بحاجة الى 5% من مجموع الطلاب تتوافر فيهم قدرات عالية ومهارات وموهبة كبيرة ليكونوا كنزا ليس فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الانساني ونحتاج كذلك الى 20% من مجموع الطلاب يكونون يحملون قدرات ممتازة وشخصية قوية يرفدون كل مؤسسات الدولة من وظائف في مختلف المجالات وكذلك 10% من مجمل الطلاب يمتلكون مهارات متوسطة او ضعيفة يكملون دراستهم الجامعية ليملأوا الفراغ والرغبة في التعلم اما الباقي فيجب تقسيمهم ما بين تقنيين وحرفيين وما بين عمال يجتمع مجملهم في خدمة الوطن. اتمنى من الدكتور عمر الرزاز ومن يدعم توجهاته ان يجدوا لنا معياراً وتقويماً بنظرة شمولية ومن زاوية اخرى حتى ننهض بالعملية التعليمية بشكل عام واكتشاف الطاقات والقدرات الحقيقية لشباب واطفال هذا الوطن.
عضو مجلس نقابة المعلمين الأستاذ حسن عتوم