مدار الساعة - اخلاص القاضي- قال خبراء اقتصاديون إن التداعيات الثقيلة لجائحة كورنا ألقت بظلالها على الاقتصاد الأردني جراء الأعباء المالية التي تحملتها الدولة لمنع تفشي الفيروس في البلاد، دفعت المملكة الى تعزيز قواعد الانتاج وتحويل هذه الازمة الى فرصة الاعتماد على الذات.
وأشاروا لوكالة الأنباء الأردنية(بترا)، إلى أنه وبالرغم من التداعيات الكبيرة لأزمة كورونا على فئة كبيرة من المجتمع الاردني كعمال المياومة، اضافة الى تعطل الكثير من القطاعات الانتاجية بسبب أوامر الحجر والحظر الشامل التي فرضت منذ بداية الأزمة، إلا أن الأردن اثبت قدرته على التعامل مع هذه الازمة وتحويلها الى فرصة لتعزيز قواعد الانتاج التي "يملك الاردن عناصرها كافة"، عبر مأسسة الاعتماد على الذات، واعادة التركيز على انتاجية قطاعات حيوية عديدة.
الباحث الاقتصادي محمد البشير قال إنه لا شك ان الدولة بكل اجهزتها نجحت في ظل التضامن الشعبي- الرسمي في مواجهة الوباء، وخاصة من خلال الخطوات الاستباقية التي جعلت من الاردن إنموذجا في إدارة أزمة طارئة وغير متوقعة بهذا الحجم.
واضاف إن البلد القادر على تخطي أزمة طارئة مثل "ازمة كورونا"، يستطيع في مرحلة ما النهوض بقطاعاته الانتاجية، وتحويل تحديات المرحلة لفرص حقيقية، عبر ادارة المعرفة في القدرات الاردنية واستثمارها بما يخدم العملية الانتاجية، وخاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، ليساهما بشكل امثل في معالجة العجز في الميزان التجاري، المتمثل في زيادة فاتورة استيراد المواد الغذائية والتصنيع الزراعي والحيواني، ومواد التعقيم، اضافة للملابس وبعض الكماليات مثل الادوات المنزلية وغيرها.
ولفت البشير الى ضرورة دعم الحكومة لتعزيز القطاعات الانتاجية المحلية، بما يحد من العجز في الميزان التجاري، ويوفر آلاف فرص العمل، ويقلل الى حد كبير من مشكلتي البطالة والفقر، مؤكدا اهمية النظر بأسباب ارتفاع كلف المنتج الاردني من (سلعي وخدمي )، بما فيها تكلفة التمويل.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الاردن قادر على تعزيز قواعد الانتاج، بذات القوة التي برع بها في مواجهة كورونا، ونستطيع تحويل التحديات لفرص، عبر الاستثمار في العقول والخبرات التي تملك فكرا متطورا لتعزيز القدرات والامكانيات الداخلية وتأهيلها للمنافسة خارجيا.
وبين أهمية ان يكون لدينا القدرة في الاستمرار بكل متطلبات العيش ضمن الاطار المحلي، من خلال العمل وفق نموذج اقتصادي قادر على التعامل مع المتغيرات الاخرى، من خلال تحسين معدلات دخل الفرد، وتعزيز قدرته على شراء المنتجات الوطنية، وصولا للاعتماد الذاتي في كثير من القطاعات.
ودعا عايش الى التخصص في استثمارات محددة، لنكون اكثر انتاجية، مثل انتاج المواد الغذائية والزراعية والطبية والادوية والمعقمات والتقنيات، ومواد البناء، فضلا عن قاعدتنا من الموارد البشرية والخبرات، حيث انه بذلك يمكن ان نصنف كبلد متخصص ببعض الصناعات الانتاجية، ما يدعم توظيف المزيد من الاموال والاستثمارات لدينا.
واضاف إن الأردن بات محط أنظار العالم بعد تجربة كورونا، ما يجعله مركزا هاما لتصدير تجربة النجاح، لإننا اصبحنا نحظى بـ" ملكية فكرية" حيالها.
ويرى عايش أن الاردن قادر على تشكيل خلية أزمة ناجحة لمواجهة أي طارئ ، وانه حوّل الازمة لفرصة، لذلك يجب ان يبقى في وضع يشبه خلية الازمة، لتعويض حالة الانكماش الاقتصادي والخسائر التي منيت بها معظم القطاعات جراء تداعيات الجائحة، بهدف تحقيق النمو وزيادة معدلات الدخل وايجاد فرص العمل، واعادة النظر بالسياسات المالية والنقدية. وفي الاطار ذاته، يؤكد الخبير المصرفي مفلح عقل ان جائحة كورنا ارشدتنا الى قدراتنا الذاتية، وكشف لنا اننا نملك بنية تحتية في العديد من المجالات كمجال التكنولوجيا، والعمل عن بعد، وتأمين سبل التعليم عن بعد أيضا، ما يتطلب تعزيز البنية التحتية في الاتصال والتقنيات، سعيا نحو الابداع والاستثمار فيهما، وهما من قواعد الانتاج المثمر.
ولفت عقل الى أن الازمة التي مررنا بها، عززت الوعي بضرورة العودة للإنتاج الزراعي، وهي قاعدة انتاج حيوية ومهمة جدا، تحقق الحد الاكبر من الاكتفاء الذاتي، ما يتطلب حزمة اصلاحات في هذا القطاع، كاستصلاح الاراضي الزراعية، ودعم المزارعين والمعنيين بالثروة الحيوانية.
ويرى عقل ان الاردن وحتى قبل كورونا، يتمتع بسمعة طيبة في المجال الطبي، وتعززت جراء التعامل الامثل مع الازمة الصحية التي يمر بها العالم حاليا، ما يؤسس لقاعدة انتاج اقتصادي صحي، تجعل من الاردن محطة مهمة لكثير من طالبي العلاج.
وأشار إلى ان التحالفات بين الدول ما بعد كورونا ستبنى على التكامل والتبادل، انطلاقا من تميزنا في مجال ما، وتميز غيرنا في قطاعات بعينها، وانه وللتغلب على الوضع الصعب، نحتاج لتزويد القطاع الانتاجي بالسيولة لتتعافى عجلة الانتاج سريعا.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي سامي شريم إن الأردن يتمتع بوجود كل عناصر الانتاج، من أيد عاملة وخبرات، ورأس مال محمي بودائع لدى البنوك، وحزمة اصلاحات حكومية لوقف الهدر، والاستغلال الامثل للموارد، ما يجعل للأردن هوية اقتصادية تتوزع بين خدماتية وسياحية وزراعية وصناعية وتقنية وتعليمية.
واكد شريم وهو رئيس الجمعية الاردنية لمستثمري الاوراق المالية، انه "عادة عندما تتعرض الدول لازمة ما، فانها تستخدم السياسات التي تخدمها بالضرورة، وهناك استراتيجية تسمى تغليب موجبات التنمية على العقود والمعاهدات والمواثيق مع الدول والشركات والافراد"، مرجحا كفة ضرورة الاعتماد على الذات وتشجيع الصناعة الوطنية، وبالتالي ايجاد فرص العمل. واوضح ان الميزان التجاري يعاني حاليا من عجر بنحو 7 مليارات دينار، فكلما نجحنا بتخفيض مليار واحد، كلما وفرنا من 20 الى 25 الف فرصة عمل، لذلك لابد من التركيز على الاساليب التقليدية في حماية الانتاج المحلي.
يذكر ان صندوق النقد الدولي توقع مؤخرا، أن ينكمش الاقتصاد الأردني خلال العام الحالي بنسبة 3,7 بالمئة جراء تداعيات أزمة كورونا، بيد أنه سيعاود النمو في العام المقبل، بنسبة تصل إلى 3,7 بالمئة، ما يعكس مسار الاقتصاد من الانكماش إلى النمو.
وتوقع تقرير صدر الشهر الماضي عن منظمة العمل الدولية، أن يشهد العالم تقليصا في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين، داعيا لصياغة سياسات تركز على تقديم المساعدة الفورية للشركات والعمال لحماية مكاسب رزقهم، اذ يعمل نحو ملياري شخص في وظائف غير رسمية معظمهم في الدول النامية، فيما حددت المنظمة ركائز للتعافي ما بعد الجائحة، شملت تحفيز الاقتصاد والتوظيف، ودعم الشركات والوظائف والدخل، وحماية العاملين في مكان العمل، اضافة للاعتماد على الحوار الاجتماعي لإيجاد الحلول.
--(بترا)