ريم السميرات
لأن كلمة الحق يجب أن تقال وأن تعلن من أعلى المنابر، أنا ريم السميرات التي أحمل الهوية الأردنية وأعتز بها، أكتب مقالي هذا من غرف الحجر في أحد فنادق العاصمة الأردنية عمَان الذي بدأت الإقامة فيه فور وصولي لأرض الوطن قادمة من تورينو إيطاليا، حيث كنت قد أتممت دراساتي العليا في مجال تصميم السيارات منذ قرابة الثلاثة أشهر، و لكن نتيجة الوباء الذي اجتاح العالم أجمع و أطاح على وجه التحديد بمدن شمال إيطاليا، لم أتمكن من العودة إلى الأردن قبل منتصف شهر أيار الجاري.
طريق العودة إلى عمان ابتدأت برحلة مدتها 48 ساعة التي كان من المفروض ألاّ تتجاوز التسع ساعات على الأكثر في زمن ما قبل الكورونا.
لن أطيل الكلام؛ بل سأحاول أن أوجز قصة عودتي من إيطاليا لأرض الوطن.
بدايةً، قدَّمت سلطاتنا وسفاراتنا مجهوداً يستحق التقدير من أجل الحفاظ على سلامة الجالية الأردنية في الخارج؛ ومما شهدت واختبرت بنفسي، فإني أكاد أن أجزم بأنّ التنظيم والتدبير والمتابعة الحثيثة لم يشهدها أي مواطن في العالم ما لم يكن أردنياً! وتحديداً، فقد قامت السفارة الأردنية في إيطاليا بمتابعتنا كطلاب منذ اشتداد الجائحة التي كانت وما زالت إيطاليا من أكثر دول العالم تأثراً بها، فقد أحاطنا العاملون بالسفارة باهتمام شديد بطريقة أخجلت فيها كلمات الشكر والامتنان.
ابتدأ التنسيق الفعلي لرحلة العودة إلى عمّان بشكلٍ دقيق قبل أسبوع من الرحلة المقرر أن تقلع من مطار شارل ديغول في باريس، فرنسا. والجميع يعرف عن توقف شركات الطيران عن العمل، الأمر الذي جعل التنقل حتى داخل دول الإتحاد الأوروبي أمراً في غاية الصعوبة.
وإذ كان وجودنا في إيطاليا يتطلب سفرنا إلى فرنسا عن طريق مطار روما فقط، فإنً السفارة الأردنية في كلا البلدين المعنيين قدمت مجهوداً عظيماً من أجل تسهيل إجراءات السفر في هذه الظروف القاهرة لا سيما أن معظمنا كطلاب قد أنهوا فترة دراستهم الطويلة مما يعني أن أمتعتنا لم تكن بقليلة.
ولكن جرى تنسيق سفر الحقائب مباشرة إلى عمان من روما دون المرور بمطار باريس، وهذه الخطوة أزالت عن كواهلنا الكثير من العناء.
(أريد أن أشير إلى الحالة المزرية التي استلمت بها حقائبي في روما قدوماً من تورينو؛ لم تتعدّ مدة الرحلة الساعة الواحدة، إلا أنّ حقائبي وصلت ممزقة ومتسخة بشكل فظيع وعجلاتها مكسورة).
ولا أبالغ عندما أقول بأن الإحساس بالقرب من الوطن ابتدأ يسري بالعروق منذ لحظة الوقوف عند مدخل طائرة الملكية الأردنية حيث الاستقبال الدافئ من قبل الطاقم الذي كان يرتدي الملابس الواقية من الرأس وحتى القدمين، كما وجرى تزويد جميع الركاب بالكمامات والقفازات مع مراعاة الالتزام بمسافة الأمان بين الراكب والآخر عند الدخول وكذلك عند الجلوس، حيث ترك مقعداً فارغاّ بين الراكب وجاره.
أما عن تعقيم متن الطائرة، فقد تمَّ بشكل وافٍ قبل وبعد إقلاع الطائرة وخلال الرحلة أيضاً.
والجدير بالذكر أن كل راكب على متن الطائرة وجد على مقعده بطاقة محدد عليها رقم الحافلة التي ستقلّه إلى فندقه في عمّان.
ولا نستطيع إلا أن نتقدم هنا بالشكر لكل من شركتي زين وأورانج على اللفتة الرائعة بتزويد جميع الركاب بخطوط هواتف مجهزة للاستخدام الفوري.
وعند الهبوط أخيراً في مطار الملكة علياء الدولي، كان تنظيم عملية الخروج مدروساً حيث عمل طاقم الطائرة على إخلاء الركاب راكباً واحداً تلو الآخر بشكل منتظم ليتم عندئذٍ عملية رش المسافرين وأمتعتهم بمواد معقمة إضافةً إلى قياس درجة حرارتهم، ومن ثم توجيههم لقاعة استلام الأمتعة متبعين نفس إجراءات السلامة والوقاية.
وعلى الرغم بأن المطار كان يستقبل رحلة واحدة في الوقت الواحد، إلاَ أن جميع الكوادر المعنية كانت على رأس عملها جنباً إلى جنب رجال الأمن والقوات المسلحة.
وقبيل الخروج من المطار، تم أخذ درجة الحرارة مرة أخرى قبل التوجه أخيراً إلى الحافلات المخصصة للنقل إلى فنادق الحجر في عمان في موكب محاط بسيارات الأمن والشرطة.
وإذ أتحدث عن رحلتي أنا شخصياً، فقد تضمنت المرور بأربعة مطارات وتغيير ثلاث طائرات، ابتداءً من مطار تورينو في شمال إيطاليا وانتهاءً بمطار الملكة علياء في عمّان، إلّا أنني لم أحظ بالاهتمام والرعاية التي شهدتها في عمان! صدقوني عندما أقول بأن أحد المطارات الأربعة التي مررت من خلالها قام بطرد المسافرين إلى خارج المطار في منتصف الليل لمدة أربع ساعات بحجة التعقيم الذي تمثل بوضع رشاشات على عربات جر الأمتعة والسير بها داخل المطار، علماً بأن كوادر العمليات لم تكن تتبع توصيات السلامة المتمثلة بارتداء الكمامات كحد أدنى.
وفي مطار آخر، فإنَّ الإجراء الوحيد الذي اتبع تمثل فقط بارتداء الكمامات، ولم يكن هناك أي فواصل وقائية بين المسافرين وكوادر المطار؛ نعم لقد كانت المطارات فارغة ومغلقة من ناحية الأسواق والمطاعم، ونعم تم تعبئة نماذج بيان معلومات المسافر، ولكن لغاية تبرئة أنفسهم من عواقب السفر في الأوضاع السارية وليس لغاية الحفاظ على صحة المسافر كما حدث في عمان.
كما أنَّ الوجبات المقدمة هي وجبات متكاملة تحتوي بجانب الوجبة الرئيسية على عصير وخبز محفوظة داخل علب بلاستيكية ذات جودة.
ولكي أكون على قدر من الموضوعية، ولدحض بعض الشائعات التي قد تنتشرعن نوعية المواد الغذائية المقدمة، سوف أضع لحكمكم العادل تفاصيل الوجبات التي تلقيتها خلال الأيام الثلاثة الأولى لي في الحجر: - وجبة الإفطار: بيض، لبنة، خيار وبندورة مقطعة، مرتديلا smoked، مثلث جبنة صفراء، جبنة بيضاء، مربى، كرواسون بالشوكولاتة، لفائف القرفة Cinnamon Rolls، عصير برتقال.
- وجبة الغداء: خبز، عصير منجا، سمك فيلية قطعتين حجم كبير، بطاطا، تشكيلة خضار، كتشب، سلطة بقدونسية - وجبة العشاء: 3 قطع تمر، خبز، سلطة، لبن، عصير، شوربة، طبق رز مع المكسرات وقطعة دجاج مشوي، قطعة كيك.
وأود أن أذكر أيضاً مزيداً من الخدمات المتوفرة في الحجر: - كل يوم يتم تقديم طبق مختلف نسبياً من باب التنويع، وأن حجم الوجبة كفيل بإشباع أي شخص بشكل عام.
- مقسم الفندق جاهز لخدمة النزلاء وطلباتهم بما يتناسب مع القوانين وإجراءات السلامة المنصوص عليها. - المكيف يعمل بشكل ممتاز مع توفر خدمة الإنترنت بشكل فعّال وسريع.
نعم قد تكون الثمانية عشرة يوماً المحددة للحجر في الفنادق طويلة علماً بأنها متبوعة بأربعة عشرة يوماً أخرى في المنزل، ولكنها أجدى من إقامة جبرية ودائمة تحت التراب! نهايةً، أود أن يكون مقالي هذا بمثابة رسالة شكرٍ وتقديرٍ وإجلال أولاً لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله و رعاه، الذي جعل من أولويات توصياته خلال أزمة كورونا الإسراع بوضع خطة محكمة لإرجاع الطلبة و الجالية الأردنية أينما تقطعت بهم السبل بعيداً عن أرض الوطن الحبيب.
كما وأتقدم بجزيل الشكر والعرفان للجهات التالية التي لم تتوان عن مد يد العون إلينا وجعل رحلة العودة إلى بلدنا فعلاً عودةً ميمونة: - وزارة الخارجية الأردنية ممثلة بالسفارة الأردنية في إيطاليا: شكراً على المتابعة وتسهيل عملية التنقل بين المطارات. - الجيش العربي. - مطار الملكة علياء الدولي.
- الملكية الأردنية.
- الفنادق التي تم تجهزها على أفضل وجه وتأمينها بمواد التطهير والتنظيف.
- الجهات اتي تقوم بإيصال الطعام طوال النهار الى جميع المقيمين في الفنادق.
- الأجهزة الأمنية التي تحرس الفنادق وتسهر على حمايتها.
- الأيدي الخفية والجنود المجهولة التي تعمل من وراء الكواليس لحماية وطننا ومواطنينا وجميع من يتنفس هواء هذا البلد العظيم من أردنيين وغير أردنيين على حدٍّ سواء.
وأخيراً، شكرا لك يا أردن الذي جعلتنا نفتخر ونتباهى أمام العالم أجمع بحمل جوازك؛ فجوازنا هذا كان درع نجاتنا.
أما بالنسبة للشعب الأردني الذي أنتمي إليه، فهنالك من يقدرون ويشكرون وهناك من يجحدون ولن يكتفوا ولو "ضويت العشرة شمع"!