مدار الساعة - "فيروس كورونا المستجد قد يرافقنا طويلاً، تماماً كما فعلت فيروسات قبله"، بهذا التصريح الصادم إلى حد بعيد أعلنت منظمة الصحة العالمية أحدث مواقفها بشأن الوباء الذي حصد آلاف الأرواح، محذرة من أن الفيروس "قد لا يختفي أبداً"، وربما يتحوّل إلى "مرض سيكون على البشرية تعلّم التعايش معه"، بينما حذّر متخصصو الصحة في الأمم المتحدة من "أزمة صحة نفسية عالمية تلوح في الأفق"
رسالة مقلقة
وبينما بدأت دول ترفع تدريجاً القيود المفروضة للحدّ من انتشار كورونا الذي ظهر في الصين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أطلقت المنظمة "رسالة مقلقة"، إذ قال مدير القضايا الصحية العاجلة مايكل راين، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت بجنيف، "لدينا فيروس جديد يخترق البشرية للمرة الأولى. لذلك من الصعب جداً القول متى يمكن دحره"، وأضاف "الوباء قد يصبح مستوطناً في مجتمعاتنا، وربما لا يختفي أبداً"
وتابع راين، "أرى أنه من الضروري أن نكون واقعيين، ولا أتصور أن بوسع أي شخص التنبؤ بموعد اختفاء هذا المرض. أرى أنه لا وعود بهذا الشأن، وليست هناك تواريخ. هذا الوباء ربما يستقر ليصبح مشكلة طويلة الأمد، وقد لا يكون كذلك"
التعايش أصبح أمراً حتمياً
وردّ متحدث وزارة الصحة السعودية محمد العبدالعالي على مقولة "التعايش مع كورونا أصبح أمراً حتمياً، لتشابهه مع الأنفلونزا الموسمية، وأنه على المجتمع العودة إلى الحياة الطبيعية"، قائلاً "العالم الآن في سباقٍ مستمر لمعرفة المزيد عن الفيروس منذ تفشيه، لكن أمامنا الكثير لنعرفه عنه. والمقارنة بينه وبين الأنفلونزا الموسمية فيها اختلاف، فالأخيرة لها لقاحات وعلاجات تساعد على تحسين الحالة الصحية، وتقليل المضاعفات والأعراض"
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "من النادر أن تدخل الأنفلونزا أحد البيوت وتصيب العشرات ويموت ثلاثة أو أربعة من الأسرة نفسها في غضون أيام. الفيروس لا يزال ناشئاً وحديثاً، ومن المبكر جداً أن نضع كل هذه الخطوات التهوينية في التعامل معه، ولا بد من التعامل بحذر وقوة"
وأشار إلى أن السعودية تبذل قصارى جهدها لحماية هذا المجتمع، حتى نصل إلى معرفة أكبر وضمانة أفضل لسلامة الجميع، وسنظل في الإجراءات والاحترازات، لكن لا شك سنسير يوماً نحو حياتنا الطبيعة تدريجاً، كلما تمكّنا من قوة التعامل بالاحترازات الجيدة
وفي سياق متصل، قال استشاري أمراض الصدر والجهاز التنفسي النشمي العنزي، "خطط العودة إلى الحياة مع إخضاع حالات خاصة للحجر سيكون أمراً لا بد منه"، مستدركاً "لكن، يجب تعلم أخذ الاحتياطات اللازمة، مثل وضع الكمامة والبعد عن الزحام"، مشيراً إلى أن "الفيروس يشبه الأنفلونزا الموسمية، ولا يحتاج إلى كل هذا التهويل"
أخذ الاحتياطات
من جانبها، نشرت وزارة الصحة المصرية، عبر موقعها الإلكتروني، خطة التعايش الديناميكي مع الفيروس، وتتضمن مسودتها التي من المتوقع أن يعتمدها ويعلنها مجلس الوزراء خلال أيام قواعد منظمة للمنشآت والجهات العامة والخاصة، إضافة إلى قيود صحية شخصية تتعلق بالتطهير والحفاظ على التباعد الاجتماعي، مع إعادة تقييم الوضع الوبائي كل 14 يوماً
ويبدأ تطبيق المرحلة الأولى، "مرحلة الإجراءات المشددة لتفادي أي نوع من الانتكاسة"، بشكل فوري، وتتضمن الفرز البصري والشفوي وقياس الحرارة لجميع الأشخاص قبل دخولهم المنشآت والمترو والقطارات
ومن بين ضوابط هذه المرحلة إلزام المواطنين والمقيمين وضع الكمامة عند الخروج من المنزل، وكذلك أصحاب الأعمال والمراكز التجارية وضع وسائل تطهير اليدين على أبوابها، والحفاظ على كثافة منخفضة داخل المنشآت والمحال التجارية. وتفرض هذه المرحلة قيوداً صارمة على الفنادق والمنشآت السياحية، التي ستعمل بطاقة استيعابية محدودة مع عدم إقامة الأفراح أو الحفلات
وعقب انتهاء المرحلة الأولى يبدأ الانتقال إلى الثانية "مرحلة الإجراءات المتوسطة" التي تستغرق 28 يوماً، وتشمل الإبقاء على معظم الإجراءات الاحترازية، مع استمرار غلق دور السينما والمسارح والمقاهي أو أي أماكن أخرى للترفيه
وفي الثالثة "مرحلة الإجراءات المخففة والمستمرة"، تأمل مصر بأن ينخفض عدد الإصابات بالتزامن مع إعلان منظمة الصحة العالمية انخفاض تقييم المخاطر عالمياً إلى المستوى المنخفض، وظهور لقاح معتمد لفيروس كورونا. وتشير مسودة الخطة إلى أنه "في حالة توصية منظمة الصحة العالمية باعتماد لقاح آمن وفعّال، يجرى البدء في تلقّي اللقاح وفق الأولويات التي ستصدرها وزارة الصحة"
طبيعة الفيروسات
وتشير العلامات الأخرى التي تتنبأ ببقاء الفيروس في حياتنا أطول مما قد نتوقع، إلى طبيعة الفيروس التي كشف عنها العلماء أخيراً. وقال أطباء صينيون ومجموعة من الباحثين في مجال الفيروسات، "ليس من المرجّح أن يختفي كورونا المستجد بالطريقة التي حدثت مع فيروس سارس قبل 17 عاماً، وذلك لأن الأول قادر على الدخول إلى جسم الإنسان، وعدم التسبب بأي أعراض، بعكس الثاني"
ويعني هذا، أنه سيكون من الصعب حصر حالات الإصابة جميعها، وإدخالها في الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس، وفق ما ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية. جميع العلامات والبيانات الرسمية من الجهات المختصة، تشير إلى أن التوصّل إلى لقاح مضاد لفيروس "كوفيد 19"، سيستغرق وقتاً طويلاً
تفاقم الوضع
وتكبّد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة من جراء استشراء المرض، وهو ما اضطر عدداً من الحكومات إلى دعم الشركات الأكثر تضرراً، في مسعى لتفادي تفاقم الوضع. وأدّى الوباء العالمي إلى إرباك الملاحة الجوية والبحرية، ما انعكس على إنتاج وتنقل الأفراد ونقل السلع، وسط توقعات بأن يتباطأ النمو على نحو ملحوظ خلال العام الحالي
ومع زيادة الأزمات الاقتصادية، التي بدأت بالتهام الشركات والمؤسسات، وضعت الدول خططاً لإعادة الحياة التجارية والاقتصادية إلى طبيعتها، حتى قبل القضاء بشكل كامل على كورونا. ولعل العلامة الرئيسة لبقاء الفيروس معنا، هي التصريحات التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية، الجهة المختصة في هذه الأزمة
وللاستعداد بشكل أفضل لمرحلة "التعايش"، رأى بعض متخصصي الصحة أن السماح للفيروس بالانتشار بـ"طريقة مراقَبة"، بين الفئات الأصغر سناً من السكان، وسيلة أفضل للتعامل معه، لتكوين ما يعرف بـ"مناعة القطيع"، بدلاً من الاستمرار في أوامر الإغلاق
التعايش الديناميكي
وتعتمد الخطة التي سُمّيت بـ"التعايش الديناميكي" على ستة محاور رئيسة هي:
1- تحديد اشتراطات أساسية لعمل المنشآت والجهات ووسائل النقل المختلفة
2- استمرار جميع نشاطات التباعد الاجتماعي والحد من الزحام
3- الحفاظ على كبار السن وذوي الأمراض المزمنة
4- نشر ثقافة تغطية الوجه بالكمامة
5- النشاطات الذكية لتفادي التجمعات
6- تشجيع الاهتمام بالحالة الصحية العامة
هذا، وقد تكون عودة المنافسات الرياضية، هي بالتأكيد، المرحلة الأخيرة من خطط الدول للعودة إلى الحياة الطبيعية. وعلى الرغم من قرار إلغاء المنافسات الرياضية حتى سبتمبر (أيلول) المقبل في بعض البلدان، فإن دولاً كبيرة، مثل بريطانيا وألمانيا، تدرس بقوة إعادة المنافسات الشهر المقبل، من دون حضور جماهيري. كما يسعى اتحاد كرة القدم الأوروبي (ويفا) لإعادة البطولات الأوروبية قريباً، وظهرت علامات واضحة لرفض إلغاء الموسم