يعتقد "بعضهم" في الأردن عندما يتحدث عن سبل تحديث وتطوير الأردن أنه يخترع "العجلة"، خاصة عندما يربط عملية التطوير والتحديث بأسباب تنم عن جهل "هذا البعض" وعن عدم معرفته بالأردن والأردنيين، وقبل ذلك بمسيرة الدولة الأردنية وكيف بناها الأردنيون، من ذلك أن هؤلاء يعتقدون أن تخرجهم من جامعة غربية يعني أنهم ختموا العلم وصاروا أصحاب حق في قيادة الدولة وتحديد مساراتها وخياراتها، وتولي صدارة المجتمع لتطويره وتحديثه، وتحديد هويته واتجاهاته، وعلاقاته ونظمه الأخلاقية، وهم يعتقدون أيضاً أن من علامات التطور والحداثة أن تلوي لسانك برطانة،وترقعه ببعض المفردات الإنجليزية،وقبل ذلك أن تخرج عن منظومة القيم السائدة دون أن تميز بين الصالح والطالح منها،وأن تمشي بين الناس بخيلاء وغرور، على اعتبار أنك من خريجي جامعات أوروبية وأمريكية وبالتالي "جايب الذيب من ذيله" على رأي عجائزنا.
هؤلاء الذين يتهيون علينا بجامعاتهم، ويرقعون ألسنتهم بالرطانة، من "الصلعان والديجتل" فاتهم أن ما يحاولون تسويقهم علينا هو بضاعة قديمة، فقبل أن يلد هؤلاء وآباؤهم تخرج وصفي التل وخليل السالم وحمد الفرحان وكمال الشاعر ثم اسحق الفرحان وعبد الرؤوف الروابده وكثيرون من الأردنيين من الجامعة الأمريكية في بيروت، مثلما تخرج زيد الرفاعي وسمير الرفاعي من هارفرد ومنذر حدادين من جامعات واشنطن وشيكاغو، والقائمة تطول بأسماء البناة الأوائل للدولة الأردنية، من الذين تخرجوا من أعرق الجامعات الأوروبية والأمريكية ومن جامعات المعسكر الشرقي، ومن بعدهم تخرج فيصل الفايز وسمير الرفاعي وغيرهم من جامعات غربية عريقة، لكن الفرق بينهم وبين جيل "الصلعان" و"الديجتل" أن الأردنيين الأوائل عرفوا أن نيل الشهادة الجامعية لا يكفي وحده لصناعة قائد،وأن الجامعات بما فيها هارفرد لا تُخرج قادة،لذلك انخرطوا بالإدارة الأردنية وتعلموا من تجربتها وتدرجوا فيها دون استعجال ومزجوها بعلمهم فاغتنت وأغنت.
هذه واحدة، أما الثانية فإن الأردنيين الأوائل ذهبوا إلى كل أصقاع الدنيا لتحصيل العلم وهم يحملون انتمائهم لوطنهم وحضارتهم، لذلك لم تزغ أبصارهم، فحصلوا على ما يريدون من علم ومعرفة دون أن يفرطوا بانتمائهم لوطنهم وأمتهم ولغتهم،ودون أن تذوب هويتهم، ودون أن يرقعوا ألسنتهم، حتى إذا ما نالوا نصيبهم من العلم والمعرفة رجعوا إلى بلدهم فلم يستعلوا على مجتمعهم،ولم ينخلعوا من جذورهم، بل على العكس من ذلك زاد التصاقهم بمجتمعهم ووطنهم، وسعوا إلى تطويع علومهم ومعارفهم لخدمة بلدهم ورفعته، مثلما طوعوا ما اكتسبوه من عادات الشعوب لتطوير مجتمعهم وإغناء ثقافته، دون أن يسعوا إلى سلخ هذا المجتمع من سياقه الحضاري، ومخزونه الثقافي والاجتماعي، فكان كل هذا التطور التدريجي الهادىء والناضج الذي شهده بلدنا، دون أن يفقد هويته وانتمائه الحضاري والثقافي،ودون أن يفقد أبنائه ثقتهم بأنفسهم وبأمتهم فيشعرون بالنقص اتجاه الآخر، فيسعون لتعويض هذا النقص من خلال الذوبان في هذا الآخر، مثلما تفعل مجموعات الصلعان والديجتل المهزومة ثقافياً واجتماعياً المفلسة سياسياً واقتصادياً، والتي تحاول أن تهزم وطننا خاب فألها.
Bilal.tall@yahoo.com