كتب: أ.د. أحمد ملاعبة
بعد أن ودع الأهل والأحباب وطفله الرضيع "عماد" اثر زيارة قصيرة لأهله في بلدة الذنيبة بلواء الرمثا .. غادر الشهيد عبدالرحيم سليمان الربيع (شهيد الحدارة) بلدته التي ولد فيها عام ١٩٤٥. عبدالرحيم كان يزرع خضرة الربيع في كل إتجاهات الوطن ليرابط مع رفاقه الابطال من الجيش الاردني العربي المصطفوي في كتيبة سلاح المدفعية التي التحق بصفوفها بتاريخ ٧/ ١٢ / ١٩٦٤.
وقف عبدالرحيم ورفاقه بثبات وصمود يفوق صمود شجر السدر والنبق والاكاسيا المحيط بمعسكره.. مئات الغارات كل يوم .. أستطاع هو ورفاقه وبقذائف المدفعية إسقاط ٦ طائرات توم هوك من طائرات العدو الجبان الذي يخشى المواجهة على الأرض بعد أن ذاق مر الهزيمة في معركة الكرامة الخالدة في أذار عام ١٩٦٨ وقد بدأ العدو منهكا وخائفا من التقدم ولو شبرا واحدا في عمق أراضي الدولة الأردنية المنتصرة في اقوى المعارك .. وتلقى اول واكبر هزيمة في تاريخه.. هذا العدو بدأ وبشراسة من قمم مرتفعات الجولان وجبال فلسطين بقصف أطول خط مواجهة حربي وعسكري وبطول ٤٥٠ كم الممتد من وادي الشومر في عمراوة مرورا بسهوب الذنيبة وعيون ماء بعبول والسمبل التي طالما قام شهيد دروب الحدارة.. بالارتواء منهما لتكتمل بنيته العسكرية ولتتحول المياه في عروقه دماء بلون الدحنون يرفد به البيارق.
حرب الاستنزاف حرب قذرة قادها عدو جبان على خط طوله ٤٥٠ كيلو مترا. مئات القرى دمرت وهدمت منازلها .. وارتقى اهلها الأبرياء شهداء بلا ذنب. لا زالت شواهد الغدر رغم تردمها تشع نورا في الأفق .. أشلاء النساء والأطفال والشيوخ في بلدات عمراوة والطرة وسمر وام قيس وملكا والمنصورة وحاتم وإبدر وسمر والأغوار والسلط والكرك ووادي عربة. إنتشرت في كل ركن وصرح من صروح البلدات والمدن.
إستشهد عبد الرحيم الربيع بعد أن كبر وهلل هو وزملاؤه.. وقرروا الثبات والصمود رغم عدم تكافؤ المنازلة .. وتفوق العدو جويا.
في فجر يوم الاستشهاد .. كثف العدو هجماته من الجو .. خرج عبدالرحيم الربيع بكل قوة وأطلق النيران على طائرة كانت تحلق على ارتفاع منخفض يكاد يلامس شغاف قلوبهم وخافق أجسادهم ولكن كثافة القصف الجوي المتتابع اثخنت جسده بوابل الرصاص وشظايا الحقد ليرتقي شهيدا بتاريخ ٢٠/ ٦/ ١٩٦٩ عن عمر ٢٤ عاما.
حلقت روحه الطاهرة لتزهر ثمارا على شجر الجنة وحمله صقر من صقور السماء من الجنوب شمالا ليرقد جثمانه في أديم ارض بلدته الذنيبة التي أحب.
زفه أهله وعزوته .. وهنيئا لمن كانت عزوته وطن أو أمة بكاملها .. وكان زفاف الشهيد عبد الرحيم الربيع يلخص رسالة ومقاصد الحياة .. نم يا شهيد الحدارة قرير العين هانيها.