مدار الساعة - تواصل الأديبة الأردنية المتألقة والزميلة غادة عقل بنثر جمال قصصها.
حيث قامت عقل بنشر قصة "خذني معك".. وتالياً القصة
بين حقول القمح تتبختر بخطواتها بثوبها المطرز وجدائلها السوداء، ترتسم البسمة على شفتيها، تدندن أغنية من التراث الفلسطيني:
- "عالروزانا عالروزانا.. كل الهنا فيها شو عملت الروزانا الله يجازيها.. كل من حبيبه معه وأنا حبيبي راح.. يا رب نسمة هوى ترد الحبيب ليا".
وتتابع المسير، تسير بعنفوان كأنها بوصلة الكون أينما توجهت سار القلب خلفها.
إنها صبية، بعيون مقدسية، بهوية فلسطينية، وهناك على مرمى البصر شاب قوي يمسك الفأس، يزرع ويحصد وجبينه تبلله حبات العرق وتلمع تحت أشعة الشمس، وتلك الصبية تقترب منه دون أن يشعر بها، قلبها يهوي كلما اقتربت منه، إنه الخطيب الحبيب زوج المستقبل، تتسارع نبضات "جفرا" فقد وقفت بالقرب من "ياسر".
شعر بوجودها دون أن تتكلم، فرائحة البرتقال اليافاوي تفوح منها. رفع رأسه وقال محييا:
- مرحبا بمن انتفضت لها الروح فرحا واعترف الفؤاد بحبها على علن.
فردت جفرا: يا من احتل الدماء مني، فماذا أكون لو غبت عني؟
وجلسا على صخرة يتبادلان الحديث:
- أتعرف يا ياسر أنني لم أحب يوما أحدا كحبي لفلسطين حتى أمي وأبي.. يقولون إن الولد أغلى من كل شيء، لكني رأيت أمي تزغرد عندما قدمت أخي الوحيد لعيون فلسطين، عرفت حينها أن عشق الأوطان باق، ويزول أي عشق سواه، فأمام ما نراه من اضطهاد من المحتل وهوان، لا شيء أثمن من الكرامة، ولا كرامة بلا وطن، لكن حبك يعادل حب فلسطين عندي، فصدرك وطني، وحبك هويتي.
- يا حبيبتي فلسطين بعد الله حبها، ولا حب يطغى على حبها.
- إذن، تحب فلسطين أكثر مني؟
- حبك يا جفرا أغلى من دمي.
وصمت..
حيَّرها سكوته، لماذا لم يكمل:
- أليست الحبيبة وطن؟
وفجأة يمر جنود صهاينة ينظرون لجفرا نظرات وضيعة مع ابتسامة صفراء، فانتفض ياسر يحميها من أعينهم بجسده وغمغم:
- اذهبوا من هنا يا أوغاد.
رفعوا عليه السلاح، وجفرا تشده من يده ليبتعدا من مرمى بصرهم وسرت الدماء الفلسطينية الأبية في عروقه تنبض بشدة الغليان غيرة على جفرا وتملكه غضب كأنه بركان نار يكاد ينفجر.
استطاعت جفرا أن تهدئ من روعه وغادر الجنود، فتمتم:
- "لا بقيت إن بقيتم".
وهنا انقبض قلبها وتملكتها مشاعر الخوف، ومع ذلك عادا إلى القرية بسلام.
في اليوم التالي استيقظت جفرا على صوت زغاريد يأتي من بيت خطيبها والمزغردة هي الأم فذهبت مستبشره تنظر ما الخطب.
فإذا بالحبيب غارقا في دمائه.. عريس شهيد.. يزفه رفاقه، وأمه تزغرد، ودموعها تذرف كما النهر على وجنتيها.
جفرا تسقط أرضا بالقرب من الشهيد، تحاوره تارة و تعاتبه تارة أخرى:
- أين ذهبت وتركتني؟ ماذا أقول لفستان زفافي حين يسألني عنك، وبيتنا الصغير الذي ينتظرنا حين يناديني أنا وأنت، ماذا أجيب؟
- وبستان عشقنا وكروم العنب والبرتقال وتراب عانق أقدامنا، ماذا أقول لهم؟
- ألم أخبرك أني أعشقك كعشقي لفلسطين؟ لماذا صمت حينها؟ لماذا لم تقل لي أنك عشقت فلسطين أكثر مني؟
- ألم نتعاهد أن نزف معا؟ لم تزف وحدك بدوني؟
- خذني معك