بقلم زكريا الغول
في الوقت الذي تعطلت فيه أعمال الكرة الأرضية، وأوشك كوكب الأرض على تحول مصيري، وفي غمرة انهماك الدولة بجميع أجهزتها في مواجهة وباء كورونا (covid-19)، الذي اعجز العالم بأسره، يصر البعض على ان يغرد خارج السرب فتظهر هنا وهناك مطالبات بفتح المساجد، وكأن الوطن لا يدين بدين الاسلام، وانهم يريدون ما لا يريد.
قبل الحديث عن قضية اغلاق المساجد أود لو اشير الى فئة لطالما اصبغت المشقة على معظم شعائر الاسلام، الاسلام يا سادة الذي جاء (بالشريعة السمحاء)، لكن هذه الفئة جعلت منه من أصعب الأديان وأكثرها تعباً ومكابدةً ومشقة فقد جعلوا الطقوس الدينية دقيقة التفاصيل معقدة الأجزاء وهم لا يزالون يتباحثون ويتجادلون لكي يضعوا ضغثاً على هذا.
يلتزم نحو 1.8 مليار مسلم حول العالم بالصلاة في بيوتهم نزولا عند اوامر مشايخهم ومفتيهم واولي الامر منهم، جراء تفشي فيروس كورونا الذي خيم بظلاله على الأجواء الرمضانية هذا العام، بالمقابل يظهر من ينادون بفتح المساجد كأنهم المخلصون، ويصرون على بتر الاية الكريمة114 من سورة البقرة وبنسون ما جاء في آخرها ويسعون في خرابها.
والسعي في الخراب من وجهة نظري البسيطة وابتعد بنفسي عن الافتاء فأظن ان المطالبة بفتح المساجد ضربا من ضروب الخراب جهلا بالعواقب في ظل جائحة كورونا فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح وان العبادة الحقة هي تلك التي تحقق الطمأنينية في قلب الفرد وتبعث الثقة في قلبه، فأداء الصلاة في البيت كاف لا يقلل من الطمأنينية والثقة. والجاهل عدو نفسه، ومجتمعه.
نحن اليوم أمام حالة استثنائية وهي حالة وجود وباء معدٍ، وينتشر بمتوالية هندسية؛ بسبب الاجتماع والتواصل بين الناس، واحتواء المرض لا يتم إلا بالعزل الطوعي أو بترك مسافة واسعة بين الأفراد (social distance)، فإن لم تتم الاستجابة للعزل الطوعي فإن انتشار الفيروس سيقود إلى كارثة كما يحدث في إيطاليا وإسبانيا، ومن ثم سيتم فرض الحجر وتقييد الحركة بالقوة كما حصل أيضًا في إيطاليا وفرنسا وغيرهما.
اليس الشرع هو من سمح للمسافر بالقصر والجمع، وسمح للجمع في المطر خشية على المصلين من الماء والوحل، فكيف بوباء بنتشر كنار بالهشيم، ألم يسمح الشرع للمريض ان يصلي على كرسي، او يفطر في رمضان، أليس الرسول هو من قال ألا صلوا في بيوتكم ألا صلوا في رحالكم، ان الله يحب ان تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه. فنحن بأمس الحاجة الى إعمال العقل وتجنب كل ما يهدد صحة وحياة الناس.
ارجوكم، نحن أمام منعطف غاية في الأهمية في مستويات مواجهة الوباء، وأي تصرف من شأنه ان يزيد من حدة التقارب الاجتماعي قدي يؤدي بنا إلى كارثة لا يحمد عقباها، اعملوا عقولكم، ولا تفوتوا فرصة الدولة فيما وصلت اليه من مستوى نموذجيا شهد له العالم، فتعيدونا للمربع الأول لا سمح الله.
اللهم ارفع البلاء عنا وعن بلاد المسلمين، واحفظنا من كل سوء.