بقلم: اسامة احمد المعاقلة
ولد الشيخ الفاضل المرحوم سليمان عقله عواد البوات في قرية غور فيفا في ١- ١ -١٩٤٤م ومن لواء الأغوار الحنوبية الكرك واحد رجالاتها ومن رموز قبيلة بلي الحجازية العريقة على فروع امتدادها وجذر العائلة المعروف عنها في تبوك والتي تسمى (البويات) وأبناء عمومتهم العرادات وهذه الروايات التي تناقلت عن اخبار أجدادهم منذ نزوح القبائل اثناء تقسيم الحدود العربية ومرورهم بالجزيرة العربية إلى الأردن وفي رواية قدوم جدهم احمد بن سالم البويات البلوي. وان المدح والثناء المتعارف في الحجاز والأردن لقبيلة بلي وكرمهم وشجاعتهم والذي ينشد عنهم بين القبائل (حياهم وبياهم) وهذا الصيت منذ القدم أينما حلو وارتحلوا .
واننا في هذا الصدد إذ نستذكر بحديثنا عن قامة من رجالات بلي والأغوار المرحوم طيب الذكر سليمان عقله البوات والذي كان معاصرا لمعركة الكرامة الخالدة التي كانت سطراً جديداً في وطننا الحبيب والأمة العربية حيث كان شاهد عيان على تصور تلك الأحداث ومن خلال حديثي المتزامن معه بأستمرار قائلا: كنت حاضرا في نصرة الجيش العربي اثناء تزاحم قوات العدو إلى ذلك السجال في قرية غور فيفا وقد تحملنا الكثير من المتاعب في ايام عصيبه في حشد الناس وإخراجهم من المنازل إلى وادي ام جفنه لما رايناه من هدم المنازل في أوقات الحرب والأحتدام والحمدلله أنتصر جيشنا العربي على العدو الغاشم وتم طردهم .
والوجيه ابو عقله كان مصدر حياته وعيشه على زراعة الأرض وأنتاج المحاصيل الزراعية التي هي فخره واعتزازه في حرثها وكساد إنتاجها ولم يكن يوما للناس إلا وفيا بالمواقف ولا يكره ولا يحقد ولا يعرف البغضاء والضغائن في قلبه ابدا إلا عنوان الحب والتسامح بين الناس وكسب محبتهم ولما رأينا أبسط المواقف من ذلك القلب الرقيق في السخاء الموصول للجميع ولا يميز بين أهل قريته تلك الحسنة شاهد وبصمه ترافق محبته للناس والتي نعرفها جميعا وكان يردد دائما قول (رحم الله امرىء عرف قدر نفسه)
ويعرف عنه في حبه لأماكن العباده ومن رواد المساجد والسبحة التي لا تفارق انامله شاكرا ذاكرا مستغفرا لله. وفي حديثه الذي يردده دائما في المجالس عن بقاء الود والوصل بين الناس مستشهدا عن نص الحديث النبوي ( احبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وابغض بغيضك هونا ما عسى ان يكون حبيبك يوما ما ) هذا الوصل والوسطية المنقطعة النظير والتي يغفل عنه الكثير وعلى سنة الحبيب ولا ينهجه إلا قليل من الناس حيث كان لا يحب أن يجادل في باطل ومن كان فيه اعوجاج يقول له في وجهه انت كذا وكذا ولا يجامل مع تبادل احترام الأراء . وتبقى تلك القامة ذاكرة المجالس وهيبتها التي كانت ايثارها طيب نفسه ورحابة صدره وبشاشة وجهه التي كانت تظهر على محياه فيما يسوده جو المرح والأبتسامة مع الجميع وما نقول عن هذه القامة إلا حق من خلال حق الجيرة وحسن معاشرته وخفة ظله وحسن مجالسته للآخرين وهو ارحام الأخوال من خال وشهادتنا فيه كاسره ومجروحة فيما لا يغيب عن مجالسة القرآن لحظة ما بين الحين والآخر مع مرور الأيام ولا يهجر . وكنت أراه فجأة يبكي وهو يصدح صوته بالقراءة جهرا ولا يضيع طرح حديثه اثناء مجالسته للآخرين في استدلاله لنصوص القرآن والأحاديث الشريفة حيث كنت أرى نفسي صغيرا أمام مدرسة كبيرة في نص الحكم والروايات القديمة التي عاصرها في الأغوار وهو عطر المجالس أينما ذهب في حله وترحاله.
وفي وداع رحلته الآخيرة عندما اعياه المرض وهو مستلقيا على سريره في المشفى ومحضر حوله شاهد عيان من أهل بيته سمعه يقول : لست خائفا من الموت ولكني خائف من ربي ان يحاسبني عن ايام قضيتها في فراش المشفى ولم أصلها "حيث قيل بنفسه ليس على المريض حرج وعندما حضرته الوفاه كنت شاهدا في أول لحظة ووجهه يتهلل من النور وسبحان الله يختص برحمته من يشاء من عباده .وقد مات وعمره يناهز عن ٧٧ عاماً.