كتب: محمد عبدالجبار الزبن
تتعلّق قلوب الناسِ فيمن يقدّم لهم المعروف، ويدلّهم على الخير، ويقودهم إلى ما ينفعهم في الرخاء، أو ما يدفع عنهم البلاء. فنجد كلّ النّاس في المحن، يستمعون إلى الأخبار وأنفسهم تتطلع إلى الانفكاك من الضيق الذي يمرون به على الصعيدين الشـخصيّ والمجتمعيّ، ولو بكلمة من هنا أو هناك، تتلاءم مع طبيعة البشر في الاطمئنان على حياتهم ومقدراتهم.
وبعد..
فإنّه قد تداول بين الناسِ، بأنّ وباء كورونا سينتهي مع بداية شهر رمضان لهذا العام، مستدلين بأدلة شرعية، منها حديث: ابْنِ سُرَاقَةَ في مسند الإمام أحمد: -5012-: (وَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ، فَقَالَ:"نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ" حَتَّى تَذْهَبَ الْعَاهَةُ، قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا تَذْهَبُ الْعَاهَةُ ، مَا الْعَاهَةُ؟. قَالَ: طُلُوعُ الثُّرَيَّا).
إقرأ ايضاً: فلكي أردني: هل ينتهي وباء كورونا مع طلوع الثريا خلال شهر رمضان المبارك؟
وهنا يلزم التنبيه، أنّه لا يوجد دليل شرعيّ يحدد انتهاء أيّ وباء يحلّ في الناس، وما تداولته بعض المواقع، إنما هو كلام المتعجّل ولا أساس له من الصحة. وبيان ذلك بالآتي:
أولا: الحديث بجميع رواياته، يتكلّم عن بدوّ الثمر وصلاحها، ويبيّن الحكم الشـرعيّ في بيع التمرِ تحديدا وغيره تبعا له في الحكم، وذلك لمنع الخصام، لأنّ ذهاب العاهة عنه يكون بطلوع الثريا وما يصحبها من حرّ شديدٍ غالبًا.
ثانيا: هذا الحكم الشرعيّ لمنطقة المدينة. وقال ابن قتيبة في كتابه: الأنواء: أَرادَ بذلك عاهة الثمار, لأنها تطلع =الثريا- بالحجاز.
ثالثا: للحديث سبب: وهي وقوع الخصومات، ببيع الثمر قبلَ بدوّ صلاحه. يوضّح ذلك ما جاء في صحيح البخاريّ: (بَابٌ: بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا حديث رقم: -2193 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ، قَالَ المُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ، عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: "فَإِمَّا لاَ، فَلاَ تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ". كَالْمشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ).
رابعا: القائل: "حتى تذهب العاهة" هو ابن عمر، كما في صحيح البخاريّ عَن ابْنَ عُمَرَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَحِهَا قَالَ: "حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ".
خامسًا: رواية للحديث في موطأ مالك، تبيّن المقصود من بدوّ الثمر وذهاب الآفة:- 545- (نهى عن بيع الثمار حتى تزهي. فقيل له: يا رسول الله، وما تزهي؟. فقال: "حين تحمر").
وهنا.. يمكننا القول:
إنّ الإسلامَ قد اكتملت نصوصه فلا مزيد عليها، وهي محيطةٌ بأحوال الناس في شؤون دنياهم وأُخراهم، لقوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَـرُونَ (سورة الأنعام: 38). فالقرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، هما الشريعة التي توضّح للناس ما لهم وما عليهم، وتعطي الحلول المناسبة لكلّ المشكلات والمعضلات، بنصوص إما خاصّة لحكم معيّن كما في بدوّ الثمر، وإما نصوص عامة تعالج القضايا العامة.
ومن النوع الثاني: معالجة الوباء. فالإسلام يمنع من التسبب بالأوبئة فيأمر بالنظافة، وبضبط الأمور إذا وقع، بالتداوي والابتعاد عن أرضه، والدعاء والأخذ بالأسباب، فالإسلامَ لم يأتِ ليمنع الهلاكَ في الدنيا عن أتباعه، فهم كباقي الناس: يصِحُّون ويمرضون، يربحون ويخسـرون، يشبّون ويهرمون. لقوله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (سورة الإسراء:20).
وواقع الحال يؤكد على عدم الخلط بين النوعين، والرجوع إلى أهل العلم والفتوى، للإفادة منهم بالحكم الشرعيّ المستنبط من النصوص. وعدم الخوض فيما تكون نتائجه وخيمة على الدين والدنيا.
agaweed2007@yahoo.com