التخطيط لمرحلة ما بعد كورونا ينطوي على قدر من المغامرة المحسوبة، فالأمر برمته يقوم على فرضية غير محسومة إطلاقا مفادها أن الوباء في طريقه للذبول والتلاشي.
لم يجرؤ مركز أبحاث علمي مختص بالوبائيات حول العالم الجزم بنهاية وشيكة لدورة الفيروس المستجد “كوفيد 19” قبل التوصل إلى دواء أو لقاح مضاد وفعال. التجارب المخبرية على هذا الصعيد ما تزال في مراحلها الأولى وقد يتطلب الأمر سنة على الأقل للوصول إلى نهاية سعيدة.
أما الحكومات التي حاولت التحايل على الفيروس عبر اتباع سياسة مرنة فيما يخص التباعد الاجتماعي، فقد وقعت في الفخ سريعا، واضطرت إلى التراجع بعد أن دفعت ثمنا باهظا.
المعركة مع الفيروس حاليا هي في مرحلة الاحتواء، ولم نبلغ بعد لحظة القضاء التام عليه. على هذا المستوى تتفاوت النتائج تبعا لنوعية الإجراءات التي اتخذتها الحكومات، وسرعة تحركها في وقت مبكر.
الأردن في مقدمة الدول التي حققت نتائج طيبة جدا على مستوى احتواء الفيروس، وربما تكون الدولة الوحيدة التي لم تسجل إصابات في يوم واحد بعد أكثر من قرابة شهر على تسجيل أول إصابة. ومرد ذلك الاستجابة المبكرة من قبل أجهزة الدولة، والتطبيق الصارم لتعليمات منظمة الصحة العالمية والالتزام بقواعد الحظر الشامل والحجر المنزلي.
لكن عشرات الدول ما تزال تخوض معركة شرسة مع الفيروس الذي يحصد أرواح الآلاف يوميا في الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول. حتى الصين التي واجهت بشجاعة وحققت انتصارا كبيرا في معقل الفيروس، مدينة ووهان، ما تزال متوجسة وقلقة من موجة ثانية أشد شراسة، مع تسجيل عدد من الإصابات والوفيات، فرضت عليها اتباع تعليمات صحية مشددة في عموم البلاد.
لكن في المسافة بين المرحلتين؛ الاحتواء والقضاء التام على الفيروس، ليس أمام الحكومات من خيار سوى استعادة دورة النشاط العام بحذر ويقظة شديدين لتجنب كارثة اقتصادية واجتماعية والتخفيف قدر المستطاع من الآثار المدمرة لتوقف الإنتاج والعمل في مختلف القطاعات.
هذه المرحلة الانتقالية، قد تطول أو تقصر تبعا لعوامل عديدة ومعايير صحية يضعها أصحاب الاختصاص.عدم تسجيل إصابات لأسبوعين مقبلين كما قال وزير الصحة دكتور سعد جابر، يساعد كثيرا في تسريع وتيرة الانفتاح في الأسواق ومناحي الحياة العامة. لكن من الواضح تماما أن النشاطات المرتبطة بتجمعات بشرية كبرى غير وارد على الإطلاق في هذه المرحلة، كدوام المدارس والجامعات والنشاطات الرياضية والمناسبات الاجتماعية، أو التسوق في مراكز تجارية “مولات”.
ولا تلوح في الأفق فرصة قريبة لاستعادة النشاط في قطاعات السياحة والسفر والمطاعم. وعلى العموم نشاط مثل هذه القطاعات مرتبط إلى حد كبير بمستوى التهديد عالميا، فعلى نطاق عالمي واسع لا تبدو هناك نية أبدا لتنشيط حركة السفر وتشغيل المطارات في رحلات تجارية مفتوحة، بينما تتجه مئات وكالات السياحة والفنادق حول العالم لإغلاق أبوابها لأجل غير مسمى.
العالم، ونحن جزء منه سيبقى في حالة شلل حتى نهاية العام على أقل تقدير، بانتظار خطوة علمية جبارة تضع حدا لسطوة الفيروس على الشعوب.
الغد