اليوم، العالم يقف مرعوبا أمام فايورس وبائي مجهول الهوية. العالم في عزلة وحجر كبير. وأكثر ما يشغل البشرية التكفير في يوميات كورونا، والاحوال الذاتية، ولربما أن شدة المنحة الوبائية تدفع الى تفكير الفرد بالجماعة واحوال العالم بحثا عن سؤال حتمي عن المصير وسر البقاء. النظام الاستهلاكي الرأسمالي الذي حكم العالم منذ نهاية العالم العالمية الثانية تقريبا، لم يهتم بأي لحظة بالعدالة وتطبيقاتها الاجتماعية.
العالم امام تحد من نوع جديد ومختلف، كيف سيكون حال الجميع، وكيف يكون الخلاص وكيف يكون الملاذ والنجاة ؟ اسئلة بتناسلها التكراري لا يختلف عليها مواطن «فرد « يعيش في مدن الرفاهية والرخاء واشنطن وباريس وروما ولندن، ومدن دول الاطراف في دلهي وانقرة والجزائر والقاهرة وعمان، ودمشق وبغداد وجاكارتا.
لا اختلاف على الفايروس ينتقل في نفس اساليب العدوى، ولا اختلاف في الاعراض المصاحبة للفايروس، والاهم، ان العالم يتوحد على الفشل في انتاج دواء ومصل وعلاج للفايروس. والمصاب ان وصل مستشفى خمس نجوم أو مستشفى حكوميا، فكلاهما نفس الشيء لا يتوفر بهما ما هو مطلوب من لقاح وعلاج للفايروس اللعين، ومهما قدمت من رفاهية الى المصاب، فهو لا يحتاج الا لدواء.
ولو عدنا الى كورونا الاردنية. والحديث المشتعب عنها، ولربما اكثر ما هو محصور بالاضافة الى الاسئلة الحرجة الصحية والعلاجية، فما يتعلق بالاقتصاد والاجتماع ومعيشية الناس اليومية. حتى الان النتائج المعلنة عن التبرعات المعلنة، وعمليات التشارك والتكافل والتضامن الاجتماعي خجولة ومتواضعة، ولا توازي واحدا بالمئة واقل من حجم ثروات الاغنياء والاثرياء ورجل الاعمال في الاردن.
شريحة اجتماعية واسعة تنزاح نحو الفقر والفقر المدقع، ومن جماعة « قوت يومي» عمال المياومة والاجور غير الثابتة. واولئك مع مرور امتداد ازمة كورونا زمنيا فانهم يواجهون تحديا معيشا عسير، وذلك بعدم قدرتهم على شراء ابسط مستلزمات الاسرة من طعام وشراب وخبز، وان كانت متوفرة في الاسواق وبغزارة، ولكن الاهم توفر المال والنقود لشرائها.
اقتصاديا، ثمة ضرورة في التفكير من خارج الصندوق بما يتعلق بمسألة السيولة والنقد المالي. وان تخلق الحكومة عملة قابلة للصرف عبر البنك المركزي، وتعطيها للناس على شكل تبرعات وديون وذمم مالية، او ان يقوم اصحاب الودائع المليونية بالافراج عن قسم من المدخرات ومنحها الى الدولة والمواطنين لمعالجة الازمة المتفاعلة.
في البنوك الاردنية، اليوم، حوالي 32 مليار دينار. ودائع نحو 60 % منها ودائع ضخمة، وجزء كبير بالدولار والعملات الاجنبية. هذا الكلام لربما يغضب من يؤمنون بقداسة النظام الرأسمالي. ولكن ثمة تحولات وتغييرات بنيوية تصيب الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الوطنية القوية والهشة.
المناقشات الوطنية الجادة حول كورونا وتداعيها الاقتصادي والاجتماعي. ولربما أن ولادة «صندوق همة وطن» خطوة اولى من استراتيجية وطنية اقتصادية كبرى، وما سوف يضخ اليه من أموال وتبرعات سيكون خطة نحو تمويل ودعم برامج المساعدة والرعاية الاجتماعية في زمن كورونا، وحماية الاقتصاد الاردني.
في مواجهة كورونا، الاردن قوي. وثمة افكار وآراء يطرحها سياسيون واقتصاديون لابد من الالتفات اليها، وليخرج الاردن من الازمة مشافى ومعافى من امراض موروثة في الاقتصاد الاردني، التضخم والضرائب والمديونية وسياسة الاقتصاد الحر، والعجز التجاري، وفاتورة الاستيراد، والشركات الكبرى المديونية والمتعثرة في قطاع الطاقة وغيرها.
و المرحلة المقبلة لما بعد كورونا، يبدو انها ستكون غير مسبوقة في تاريخ الاردن. ولربما ستكون مفتاحا الى اداة الثقة بين المواطن والمجتمع والدولة والمؤسسات، وهذا يظهر جليا هذه الفترة إذا ما تلازم مع سياسات اقتصادية واجتماعية تعيد تأهيل تحالفات اجتماعية مختلفة، وتذهب الى الاطراف «المحافظات».
الدستور