مدار الساعة - قال مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة إن الابتلاء سنة إلهية وهو محك الإيمان الصادق، وبه يظهر صدق المؤمنين ونصحهم ووضوحهم، وبه يبرهن على ثباتهم وتمسكهم بدينهم لقوله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون*َ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وأضاف سماحته لــ(بترا) " فلو كانت الحياة كلها يسرٌ ورخاءٌ لادّعى كلّ مدّعٍ أنه مؤمن صادق ومخلصٌ في إيمانه"، وان من سنة الله في خلقه أنه يبتليهم بالوباء والأمراض والجوع، وبكل ما يجلب الآلام، ويورث المتاعب والأكدار، فيكفّر بها الذنوب والخطايا ويمنح الأجر والثواب".
وأشار سماحته إلى أن حياة الإنسان تمر بين عسر ويسر، وشدة ورخاء، وفقر وغناء، لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ).
وبين أن الابتلاء وهو صعب وقاس؛ يأتي ليغسل القلوب وينقّيها من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ويخرج صاحب القلب المبتلى نقيا تقيا لا غلّ فيه ولا حقد ولا حسد، فيخرج بالفوز والفلاح؛ لأنه زكى نفسه بطاعة الله، وطهرها من دنس المعاصي الآثام، لقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
وأوضح أن صاحب النفس الزكية الطاهرة يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، وهذا من كمال إيمانه، وهم من وصفهم سبحانه وتعالى بقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ* وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، أي يفضلون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الحاجة والفاقة إليه، فإيثارهم ليس عن كثرة ووفرة المال والطعام والشراب، ولكنه عن حاجة وفقر وذلك غاية الإيثار. ولفت سماحته إلى أن صاحب القلب المؤمن والنفس الزكية عفيف قنوع لا يتهافت على شهوات الدنيا ولا يتسابق على طعامها خاصة إن كان عنده قوت يومه قال سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
وتابع إن على المسلم أن تكون أهدافه العليا التسامح مع الخلق، حافظا للأمانة أبيّا كريما صادقا في قوله وعمله باذلا يديه بالخير والعون لمجتمعه، لقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان*ِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، شاعرا بأمانة المسؤولية، ولا يتخلى عن أهله وجيرانه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم للمسلم كالبنيان يشدّ بعضه بعضا)، ويشعر أنه عضو نافع في هذا الجسد الطيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). وشدد سماحته ان على المسلم أن يلتزم بحقوق الأخوة ويبذل من العون والمساعدة بقدر استطاعته، ويعلم أن هذا دين يحاسب عليه، وأمانة لا بد من أدائها لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
--(بترا)