مدار الساعة - "أزمة الخبز" التي حصلت اليوم الثلاثاء لحظة تاريخية يمكن التقاطها من قبل المنظومة التربوية والتعليمية للنظر في إعادة إنتاج مناهج تركز على المهارات الحياتية والأخلاقية للأجيال القادمة.
فحالة الفوضى والتعدي على الدور لمواطنين للحصول على الخبز بعد أيام من فرض حالة الحظر في الاردن، كإجراء حكومي لحصر انتشار فيروس كورونا الذي يجتاح العالم، تستوقفنا للتساؤل حول ارتباط سلوك الافراد والجماعات، بنتاج ما يكتسبه الفرد من سلوك فردي وجماعي من الأسرة او المدرسة او الجامعة، وثقافته المجتمعية بشكل عام. البعض يراها سلوكا فرديا وآخرون انعكاسا للتنشئة الأسرية، في حين يراها مختصون أنها تتمحور حول المنظومة التربوية والتعليمية وارتباطها بمخرجات المناهج التعليمية وتدريسها، ضاربين مثالا على ذلك بحالة الإقبال الفوضوي للطلبة على المقصف.
يقول الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، ان النتيجة التي توصلنا لها من عملية التدريس التي تمتد الى اثنتي عشرة سنة لم تكسب الطلبة مهارات الحياة الأساسية، والتي غابت عن المناهج الحياتية.
وتساءل، كيف نتوقع وصولنا الى مجتمع منتظم اذا كانت المناهج التي تدرس ليس لها علاقة بواقع الحياة وتطبيقاتها مثل الرياضيات واللغة العربية التي تركز على عملية النحو وحركات الإعراب، مشيرا الى أنه في وقت الازمات نتذكر أن هناك مشكلات خطيرة تواجهنا في الواقع.
ودعا عبيدات لجنة المناهج الى ان تلتقط اللحظة التاريخية التي يعيشها المجتمع الاردني نتيجة وباء كورونا الذي يجتاح العالم، وتأخذ ما حدث في المجتمع على مستوى الجماعات والأفراد، من اجل اعادة بناء المناهج التي تدرس في مراحل التعليم المختلفة وفق هذه المتغيرات الجديدة لمواجهة المجتمعات الفوضوية والتي تمتلك خطابا سلبيا.
فيما قال استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور محمود السرحان، ان الفوضى التي نعيشها في المجتمعات وخاصة في الازمات تعود لسوء تقدير وعدم استيعاب للرسالة الذي يتحمل جزءا منها الجمهور المستهدف فضلا عن المرسل، مشيرا الى يجب أن لا ننسى اننا نمر بأزمة استثنائية.
واكد السرحان أن عدم الانضباط والالتزام بالقوانين تعود الى ضعف التنشئة التي تبدأ في مرحلة مبكرة من العمر وتحديدا في الأسرة باعتبارها الحلقة الأخطر في مجمل المؤسسات التربوية ومن ثم المؤسسات التربوية الاخرى كالمدرسة والجامعة والمؤسسات الشبابية والاعلامية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني والتي يتمم كل منها عمل الاخرى في دوائر تتسع ولا تضيق وتتعاون ولا تتصارع ضمن منظومة قيمية مجتمعية تتركز حول الثوابت الوطنية والقومية والحضارية والدينية والتي تعنى جميعها بترسيخ السلوك الايجابي لدى الناشئة والشباب فضلا عن كونها عملية مستمرة وليست موسمية تعطى على جرعات كلا حسب عمره ومستواه الاكاديمي وموقعه .
من جهتها قالت الباحثة في قضايا تمكين المرأة والمجتمع الدكتورة لينا جزراوي ان أهم موقع يستقي منه الفرد قيمه السلوكية والاخلاقية هو الاسرة والمدرسة التي يتعلم منهما الاحساس بالمسؤولية.
وتضيف، يجب ان نحلل سلوك البعض بالمنظومة التعليمية والسلوك الأخلاقي الذي يستقيه الفرد من مدرسته، مؤكدة أن اهم مكان يستقي منه الفرد قيمه هو الأسرة ثم المدرسة، ثم ينطلق بما يحمله من ثقافة الى المجتمع الواسع ليعبر عنه بالسلوك المجتمعي اليومي، في جامعته وعلاقته مع زملاء الدراسة والعلم.
وأضافت، ان معالم ثقافة المواطنة المسؤولة تتجلى في سلوك الفرد تجاه الأملاك العامة والمحافظة عليها وعدم رمي نفاياته في الشارع، وغيرها من هذه السلوكات، مشيرة الى أننا اليوم أمام تحد كبير وخطير اذ يثبت أمامنا بوضوح ان أنساقنا التربوية لم تقدم الأخلاق والانتماء والمواطنة المسؤولة على التعليم.
واكدت أن ذلك يحتاج بعد انتهاء أزمة كورونا الى بحث وتحليل وإضافة مناهج تربية اخلاقية، ومسؤولية مجتمعية يتعلمها الطالب من الصفوف الأولى في المدارس، مشددة على أن التربية الأخلاقية والمواطنة المسؤولة هي التي ساهمت في خروج الصين من حربها مع كورونا منتصرة.
وقالت المعلمة في مدرسة راهبات الوردية الشميساني إيمان الجبور، ان ما شاهدناه اليوم من فوضى في بعض مناطق المملكة يذكرني بمشهد يتكرر كل يوم أمامي، الا وهو اصطفاف طالبات وطلاب المدارس يوميا بحسب النظام التربوي وتعليماته الجادة، كممارسة يومية.
وتساءلت، اذن اين تكمن المشكلة، ومن أين تشرب المواطنون الفوضى وعدم الانتظام في توزيع الخبز هذا اليوم؟ وأوضحت أن هناك قلة من الطالبات يرفضن النظام والالتزام به، ومثال ذلك عدم الالتزام بنظام عند الشراء من المقصف، وهذا نابع من حب الذات لدى هذه القلة من الطلاب والطالبات ما سيؤثر على سلوكهم في المستقبل كما شاهدناه اليوم.
ودعت الجبور الى اعادة النظر بالمنظومة التربوية والفهم العميق للتطور التكنولوجي والقيمي وزيادة تواصل الاهالي مع المدرسة واستيعاب القوانين والانظمة التي وضعت لضبط وتأهيل الاجيال القادمة وتدريبها على انتهاج السلوكيات التي تتماشى مع قيم المجتمع وتطوره، فالمنظومة الأخلاقية المجتمعية اليوم متكاملة ومتجانسة والكل تحت النظام والمسؤولية.
--(بترا