بقلم: الدكتور خلف ياسين الزيود
تمكين الشباب يجب أن يكون مشروعاً وطنياً طويل الامد لا نه من غير الممكن الانتهاء من كل مراحله والوصول إلى نتائجه في فترة وجيزة، فهو مشروع يحتاج إلى تأسيس على قواعد وطنية تحترم العادات والتقاليد والامكانيات للدولة, حتى نضمن الاستمرارية والتوسع والقناعة به.
وهذا التأسيس يبدأ من التعليم العام بكافة مراحله بما يتناسب مع قدراتهم وأوقاتهم وتطلعاتهم لكي نبني ثقتهم الوطنية، عندها ستصقل الشخصية الشبابية ليؤخذ برأيها ويعتد بها وتفتح الأبواب أمامها للمشاركة الحقيقية في كل المناحي. هذا يعني الثقة في قدراتهم والاطمئنان إلى فهمهم للواقع وطموحهم المشروع ليحققوا الإنجازات لوطنهم.
وحيث أننا اليوم لا زلنا بالمنطقة العربية نعاني من تحديات كبيرة وكثيرة للشباب من حيث التعليم الذي لا يعكس حاجات أسواق العمل والارقام العالية المتزايدة للبطالة, وعدم التوسع بالاقتصاد الرسمي والخاص اضافة الى الظروف الاخيرة والازمات التي تعرض لها المجتمع العربي منذ نهاية عام 2010 وحتى اللحظة. وهنا يكمن الخطر بان هؤلاء الشباب سيكونون البيئة الملائمة للتبعية والاحباط والشعور بالعجز لتحقيق ذاتهم وتأمين مستقبلهم بدلاً من ان ينتفعوا بشبابهم لاستلهام الفرص المتاحة وتكييف أفاق مستقبلهم ليرتقوا بحالهم واوطانهم.
وعليه فان الشباب يعاني هذه الأيّام من مشكلة عدم وضوح الهدف والرّؤية عندما يقبل على سوق العمل بعد إنهاء دراسته الجامعيّة، كما يعاني من عدم وجود التوجيه المناسب له إلى جانب غياب التأهيل الصحيح له, لان التّأهيل هو أول مراحل بناء شخصية الشاب العاملة المنتجة بحيث يكون مؤهلاً للوظائف التي تتطلّب جهود ومهارات معينة. وللاسف فان الشباب لم يعد يستشعر الجدية في كل برامج ومبادرات التمكين سواء تلك الحكومية او المجتمعية أو المتابعة لظروفهم وطروحاتهم, فتراهم يهبون للاستجابة لكل اللقاءات والمبادرات والمشاريع ويتشابكون فيها وبها بجدية مطلقة وعند النتائج لا نتائج.
ان التمكين السياسي والاقتصادي الجاد وكما تحدثت به الاوراق النقاشية الملكية, هو الذي يؤدي بالنهاية الى تعزيز القيم الانسانية والتنموية والريادية على اساس سيادة القانون والحوار والمسائلة, ويقف عند حاجات ومتطلبات الشباب بجميع وجوهها, وهذا يقع على عاتق الدولة ممثلة بوزارة الشباب والهيئات والموسسات المجتمعية والاحزاب, وذلك من خلال خطة تشاركية فاعلة وصادقة وبريئة, لبناء قاعدة تمكين وطنية للاجيال المتتابعة.
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، ففي هذه الآية شرح عن المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث يأتي إلى الحياة طفلاً ضعيفاً لا يستطيع القيام بنفسه، ثم تنتهي هذه المرحلة لينتقل إلى مرحلة الشباب التي تتميز بالقوة والحيوية، والإنجازات، ثم ينتقل الى مرحلة الشيخوخة، ونحن من البلدان التي تصنف انها بلدان شابة فتية ولله الحمد.
للشباب آمال وطموحات وقضايا وتحديات, وبهم تنهض المجتمعات أو تنهار, وعلى أيديهم تتحقق الإنجازات أو الإخفاقات وعليه يجب وضع استراتيجية للشباب بما يتوافق مع التوجهات المستقبلية لهم وللدولة. وذلك بمجال ريادة الأعمال والمشاريع التجارية, اجراء دراسات ومسوحات دائمة ودورية لتقييم الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للشباب في كافة أنحاء الدولة, توحيد كل الجهود والمبادرات والمؤسسات الشبابية ضمن اطار وطني واحد يحظى برعاية الدولة تنظيماً ودعماُ مادياً يحقق الاهداف ويرتقي الى صناعة قيادات ونخب شبابية تخدم الوطن وتكون قدوةً للاجيال من بعد.