انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

هذا العمى الذي أفقد أمتنا بصرها ..!

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/11 الساعة 01:01
حجم الخط

الذين يستهدفون اخواننا المسيحيين بالقتل او بدفع الجزية او باصدار احكام التكفير ، لطردهم من أوطانهم، سبق واستهدفوا المسلمين ايضا بالقتل والترويع لإكراههم وقهرهم وطردهم من الحياة، ولهذا نخطئ حين نتصور بأن من يقف وراء هذا ( الجنون) هم نفر من المحسوبين على الاسلام أو الناطقين باسمه، لأنهم ليسوا اكثر من (واجهة) وموظفين حمقى مطلوب منهم الاجهاز على اوطاننا، وادخالها في معمعات الفتنة وصراعات المذاهب والطوائف والأديان.

لا اريد ان ادافع عن حضور المسيحية العربية الأصيلة في بلداننا، فلا يوجد لدينا مشكلة في العيش المشترك ولا في الانتساب للحضارة الانسانية والعربية الواحدة، لأننا شركاء فيها، ولا يوجد مسيحي أو مسلم حقيقي ينكر هذه الحقيقة ، كما اننا لا نحتاج الى استرجاع تاريخ العلاقة التاريخية بين الطرفين منذ أربعة عشر قرنا على قيام الدولة الاسلامية، لكن اسوأ ما يمكن ان نتصوره هو أن نقتنع بان ثمة صراعا بين المسلمين واخوانهم المسيحيين العرب بسبب ممارسات شاذة من هذا الطرف أو ذاك، لأن الصراع الحقيقي هو بين أمتنا بكل اديانها وطوائفها واعراقها وبين اعدائها والمتربصين بها والعابثين بوحدتها، سواء أكانوا من الداخل أم الخارج، وبالتالي فإن صمود المسيحي العربي فيها ودفاعه عنها واجب وطني كما هو صمود المسلم العربي تماما، ولا يجوز ان يتصور المسيحي العربي انه ضحية ( لداعش) أو غيرها، أو انه يهدد بالطرد من بلاده، لأن الاحتكام لهذا المنطق سيضعنا جميعا -مسلمين ومسيحيين- في المصيدة، وفي مرمى الهدف المغشوش، وسيحولنا الى دائرة ( ابتلاع) الطعم، والنتيجة هي ان نكون ضحايا لعمليات طرد مقصودة نخسر فيها جميعا ويربح هؤلاء الذين لا علاقة لهم لا بالأديان ولا بالأوطان.

في المقابل احتاج الى الدفاع عن موقف المسلم اليوم من اخوانه المسيحيين الذين يشاركونه في الوطن الواحد، او حتى في الدائرة الانسانية الواحدة، لا للرد على الصورة البائسة التي خرجت علينا من قمقم التوحش وصدمتنا –المسلمين قبل المسيحيين - ولا للدفاع عن الحضور المسيحي في مشرقنا ،وهو حضور اصيل وجميل، وانما لاعادة التذكير بحقائق عديدة غابت عنا بسبب هذا العمى الذي افقد امتنا بصرها وبصيرتها ،وجردها من احساسها ،واغرى المتربصين بها لتمزيقها وتفتيت مكوناتها ،والعبث بهويتها وصولا الى الانقضاض عليها واقتلاعها من الجذور.

اولى هذه الحقائق ان التطرف لا دين له ولا ملة ، وكما انه يستهدف المسلمين ويعبر عن اسوأ ما لديهم فانه يستهدف غيرهم من الذين يتشاركون معهم في التاريخ وفي الحضارة والوطن ، وفي الجغرافيا ، وهي شراكة اقدار وخطى كتبت علينا فمشيناها معا، بجراحاتها وآلامها، وبالتالي فاننا مسلمين ومسيحيين امام هذا الوباء سواء ويجب ان نكون في مواجهته سواء.

ثاني هذه الحقائق انني لا اشعر كمسلم تجاه المسيحي الا بما اشعر به تجاه المسلم والانسان, فنحن وان اختلفت طرقنا في الوصول الى الله تعالى وجهان لذات واحدة, لا فرق بينهما الا بمقدار العطاء والانجاز , والالتزام بالقيم الوطنية والانسانية المشتركة ،ولا معنى لوجود احدهما الا بوجود الاخر, هما ليسا طرفين متقابلين وانما طرفان متجاوران - مثل اليدين في الجسد الواحد تماما - لا غنى لطرف عن الاخر.

ثالث هذه الحقائق هي ان الاختلاف بين المسيحي والمسلم يتعلق بالمجال الانساني والوطني العام , خاصة في الحقل السياسي, ولا علاقة له بالمجال الديني, وبالتالي لابد ان نفهم هذه الاختلافات المشروعة في سياقها الحقيقي لكي لا نوظفها في لعبة الصراع والجنون التي افرزتها حالة الضعف التي تمر بها امتنا لاسباب معروفة يتحمل وزرها المسلم والمسيحي معا, وان اختلف نصيب كل منهما في ذلك.

رابع هذه الحقائق هي ان العلاقة بين المسلم والمسيحي –في بلدنا تحديدا- تعكس” الصورة الفطرية” لرؤية الدين اولا، ولارثنا الاجتماعي ومراسيمنا الصحيحة ثانيا، ولطبيعة الشخصية الاردنية ثالثا، وهي بالتالي تعبر عن افضل ما افرزه مجتمعنا, وهو ما يجب ان نحافظ عليه ونعتز به, ولهذا لا يجوز ان نفكر بامتحان هذه العلاقة لانها راسخة ومتينة و موثوقة وتحظى باجماع اغلبية الناس ان لم يكن جميعهم, ومجرد التفكير بامتحانها يعني اننا نشك في ذاتنا او اننا نتعامل مع بعضنا بمنطق المجاملة.

لدي رجاء أخير وهو أن ننجح مسلمين ومسيحيين في (الرد) على هؤلاء الذين اختطفوا أدياننا وأوطاننا وان لا نقع في ( فخ) من يريد أن يجرنا الى صراعات وهمية، نخرج منها جميعا خاسرين.
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/11 الساعة 01:01