هذه الهشاشة في الروح المعنوية التي ظهرت في البلد، بعد أول حالة كورونا، ليست جديدة، فقد مرت علينا، في أزمات سابقة، ولم يتعلم منها احد
كل هذه الاشاعات وتبادل انصاف المعلومات، او الأكاذيب، مجرد نموذج لحالات سابقة، تكررت في ظروف مختلفة، خصوصا، حين تغيب الثقة بالخطاب الرسمي، وبالإجراءات الرسمية، وتتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة بيد كثيرين داخل البلد وخارجه، لهدم الروح المعنوية، وهذه حالة تكرست بسبب تراكم الخيبات وقلة الثقة بين الناس والرسميين، وموروث سيئ من المصداقية الغائبة
ليس أدل على ذلك ان كل الشفافية التي حاولت عمان الرسمية ان تظهر بها، سقطت امام حجم الاشاعات وتصنيعها وبثها بوسائل مختلفة، وبحيث وصلت إلى الكل، فلا أحد يصدق الجانب الرسمي، ولو صدق حقا هذه المرة، وربما من مصلحتنا المعنوية، ان نصدق الجانب الرسمي هذه المرة، لغلق أبواب الاشاعات
ليس أدل على ذلك من المبالغة في رد الفعل، إلى الدرجة التي اختفى بها الناس من مواقع تجارية على صلة بالحالة المصابة، وهذه مبالغة كبيرة لكنها تستنسخ حالة المدن التي تحولت إلى مدن اشباح في الصين، وعلينا ان نتخيل لا سمح الله، لو ظهرت حالات إضافية، فهذا يعني ان البلد سيكون تحت حالة حظر تجول، باختيار فردي من الناس والعائلات، ودون انتظار قرار رسمي
لا أعتقد ان الدولة وبكل صراحة لديها إمكانات لمواجهة هذا الوباء إذا ظهرت حالات كثيرة، خصوصا، في ظل نقص الإمكانات، وهذه الحقيقة الأصعب الواجب التعامل معها بكل شفافية، وطلب المساعدة من كل طرف قادر في البلد، فهذه أزمة إذا كبرت ليست أزمة حكومة، بل أزمة كل واحد فينا
الجانب الأهم يرتبط بعدم تدمير البلد، فوق ما فيه من مشاكل أساسا، إذ إن اتخاذ خطوات قائمة على التخوف المبالغ به، سيؤدي إلى تعطيل كل أنماط الحياة، ووقف التعليم والعمل والسياحة وبقية القطاعات، وربما يتعرض الاقتصاد إلى نكسة خطيرة، فلا احد يعمل، ولا احد يدفع فاتورته، ولا احد يسدد التزاماته، وهذه كارثة أسوأ من الفيروس ذاته، واذا كانت مثل هذه الكلف تنزلت على دول أخرى، فعلينا ان نحاول الا نكررها هنا، حتى لا تكون النتائج اخطر من المرض ذاته
الجانب الاقتصادي هنا، يجب الا يغيب عن تقديرات صاحب القرار، خصوصا، ان الاندفاع نحو إجراءات مبالغ بها تلبية لضغوط شعبية، قد يؤدي إلى نتائج وخيمة أيضا، وكأننا امام كلفة الفيروس في كل الحالات، ويجب التدرج في الإجراءات، وعدم التورط في إجراءات سريعة او غير مدروسة
لا بد من استرداد الهدوء، وتمالك الاعصاب، وأهم عنصر في الوقوف ضد الوباء يرتبط بتصرفات الافراد، من العناية بالنظافة الشخصية، وتوقف عادة المصافحة والتقبيل، وغير ذلك، وهذا يختصر جانبا كبيرا ويحمي كل البلد من تداعيات هذا الوباء، خصوصا، في التجمعات الكبرى والمناسبات، وغير ذلك
أي تقصير لدى الجانب الرسمي لا بد من معالجته، سريعا، إذ ما يزال الوقت متاحا، سواء تأمين أي مستلزمات طبية، او وضع سيناريوهات لتفشي الفيروس، وصولا إلى بقية الإجراءات، فيما الأهم عدم السماح لمحاولات تدمير الروح المعنوية، أن تنجح في مهمتها، إذ إن الحياة سوف تستمر، وهناك شعوب واصلت حياتها تحت قصف الطيران، وفي ظل الأوبئة، وبعد الزلازل
لا يجوز ان يندفع المجتمع تدريجيا، نحو حالة من الذعر، تؤدي إلى نتائج اخطر من كورونا ذاته، وتأثيراته الصحية، على المصابين وغيرهم، مع الإقرار هنا ان من حق الناس ان يقلقوا ويخافوا، لكن القصة هنا الا نتورط في تدمير ذاتي لمعنوياتنا، ولبنية البلد، وكأننا من دون خلق الله، نفترض الا يصلنا الفيروس
هذا الوباء، يصنع ازمة في عمان، والأخطر ان يلد ازمة اكبر، اذا وجدنا انفسنا امام ظرف مختلف، وإجراءات غير مسبوقة، مع كلفتها الصحية والإنسانية والاقتصادية.(الغد)